ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا – ويشير إلى صدره ثلاث مرات – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه» رواه مسلم .
من هذا الحديث يتضح أن الأخوة الإسلامية شجرة وارفة الظلال ، يستظل بفيئها من أراد السعادة ، إنها شجرة تؤتي أكلها كل حين، شهيّة ثمارها ، طيّبة ريحها ، تأوي إليها النفوس الظمأى ، لترتوي منها معاني الود والمحبة ، والألفة والرحمة.
إنها ليست مجرد علاقة شخصية ، ولكنها رابطة متينة ، قائمة على أساس من التقوى وحسن الخلق، والتعامل بأرقى صوره ، وهي في الوقت ذاته معلم بارز ، ودليل واضح على تلاحم لبنات المجتمع ووحدة صفوفه، وحسبك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ربط الأخوة بالإيمان ، وجعل رعايتها من دلائل قوته وكماله، ولا عجب حينئذٍ أن يأتي الإسلام بالتدابير الكافية التي تحول دون تزعزع أركان هذه الأخوّة .
وفي ضوء ذلك، جاء هذا الحديث العظيم لينهى المؤمنين عن جملة من الأخلاق الذميمة، والتي من شأنها أن تعكر صفو الأخوة الإسلاميّة وتزرع الشحناء والبغضاء في نفوس أهلها، وتثير الحسد والتدابر، والغش والخداع، وأخلاقاً سيئة أخرى جاء ذكرها في الحديث .
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد، ولا عجب في ذلك!، فإنه أول معصية وقعت على الأرض، وهو الداء العضال الذي تسلل إلينا من الأمم الغابرة ، فأثمر ثماره النتنة في القلوب، وأي حقد أعظم من تمني زوال النعمة عن الآخرين؟، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «دب إليكم داء الأمم: الحسد والبغضاء، ألا إنها هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» رواه الترمذي.
وعلاوة على ذلك ، فإن الحسد في حقيقته تسخّط على قضاء الله وقدره، واعتراضٌ على تدبير الله وقسمته للأرزاق والأقوات، وهذه جناية عظيمة في حق الباري تبارك وتعالى، وقد قال بعضهم:
ألا قل لمن ظل لي حاسـدا أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه لأنك لم ترض لي مــا وهب