فلا شك أن يقين الصحابة بربهم ليس كغيرهم، بل الشخص الواحد قد تمرّ عليه لحظات من قوة اليقين بالله حتى كأنه يرى الجنة والنار، وقد تتخلله لحظات ضعف وفتور فيخفّ يقينه ، كما قال حنظلة رضي الله عنه : «نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنها رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا»، إذاً فإقرار القلب متفاوت، وكذلك الأقوال والأعمال؛ فإن من ذكر الله كثيرا ليس كغيره، ومن اجتهد في العبادة، وداوم على الطاعة ، ليس كمن أسرف على نفسه بالمعاصي والسيئات.
وأسباب زيادة الإيمان كثيرة ، منها : معرفة أسماء الله وصفاته ؛ فإذا علم العبد صفة الله « البصير « ابتعد عن معصية الله تعالى، لأنه يستشعر مراقبة الله له، وإذا قرأ في كتاب الله قوله : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير اطمأن قلبه ، ورضي بقضاء الله وقدره ، ومنها : كثرة ذكر الله تعالى؛ لأنه غذاء القلوب ، وقوت النفوس ، مصداقا لقوله تعالى: ألا بذكر الله تطمئن القلوب (الرعد : 28)، ومن أسباب زيادة الإيمان : النظر في آيات الله في الكون، والتأمل في خلقه، كما قال تعالى : وفي الأرض آيات للموقنين ، وفي أنفسكم أفلا تبصرون (الذاريات : 20 - 21)، ومنها : الاجتهاد في العبادة، والإكثار من الأعمال الصالحة .
ثم تناول الحديث - الذي بين أيدينا - مرتبة الإحسان ، وهي أعلى مراتب الدين وأشرفها ، فقد اختص الله أهلها بالعناية ، وأيدهم بالنصر ، قال عز وجل : إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون (النحل : 128)، والمراد بالإحسان هنا قد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، وهذه درجة عالية ولا شك ، لأنها تدل على إخلاص صاحبها، ودوام مراقبته لله عز وجل.
ثم سأل جبريل عليه السلام عن الساعة وعلاماتها، فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مما اختص الله بعلمه، وهي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله، لكنه بين شيئا من أماراتها، فقال: «أن تلد الأمة ربتها»، يعني أن تكون المرأة أمة فتلد بنتا ، وهذه البنت تصبح سيدة تملك الإماء، وهذا كناية عن كثرة الرقيق، وقد حصل هذا في الصدر الأول من العهد الإسلامي .
أما العلامة الثانية : «وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، يتطاولون في البنيان»، ومعناه أن ترى الفقراء الذين ليسوا بأهل للغنى ولا للتطاول ، قد فتح الله عليهم فيبنون البيوت الفارهة ، والقصور الباهرة ..