“رَحمةٌ”. وهو اسم مشتقٌّ من إسميْ الله تعالى: الرَّحمن الرحيم. ودلالته قاطعة على الرأفة والجود والإحسان، وعلى شعور العطف والرفق والحَنان، يقول الله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (الأعراف/ 56) ويقول تعالى مادحًا صفيه ونبيه: ومَا أرْسَلناكَ إلاَّ رَحمَةً للعالمين (الأنبياء / 107) . وقد قال عليه الصلاة والسلام متحدثا بفضل الله عليه، مشيرا إلى مكانته لديهِ:«أنا نَبِيُّ التَوبَة، وأنا رَحمةٌ مُهداةٌ».
وقال الشيخ أبو العباس المُرسي، رضي الله عنه،: “جَميعُ الأنبياء خُلقوا من الرحمة، ونَبينا، صَلَّى الله عليه وسلم، هو عين الرَّحمَة”، لأنَّه بابُ الوُصول، ومِرقاة القَبول، وبه ينالُ من الله كلُّ القبول وغاية السُّؤل، فهو مفتاح الشهود في حضرة المَعبود، أرسله الله تعالى لطفًا بالعِباد، وهَداهم به إلى سبلِ الخير والإسعاد.
ذلكَ أنَّ كلَّ خيرٍ ونورٍ وبركة ظَهَرت في الوجود، وبرزت من بداية إيجاد الكائنات إلى نهايتها، إنما سَبَبها النبي، صلى الله عليه وسلم.فقد قال الإمام الترمذي: «جَعَلَ الله تعالى للجنة باباً زائداً وهو باب محمدٍ، عليه الصلاة والسلام، وهو باب الرحمة وباب التوبة، فهو منذ خَلَقه الله وهو مفتوحٌ لا يغلق، فَإذَا طَلَعَت الشمس من مَغربها، لَم يُفتَحْ إلى يوم القيامة».
ولَقد تَعددت مظاهر رَحمة سيد الوجود،فشملت العالمين، ونقتصر على ذكر موقفين، فقد اختصَّ بها الوالدَيْن، ومن ذلك أنَّ رجلاً من الصحابة جاء يطلب منه البَيعَةَ على الهجرة وقال: ما جئتكَ حتَّى أبكيتُ والدي. فقال له النَّبي، صلى الله عليه وسلم: «ارجَعْ إلَيْهما، فَأَضْحِكهما، كَمَا أبْكَيتَهما».
وشَملت رحمة رسول الله، عَليه الصلاة والسلام، الأطفالَ : فَقد وَرد في كتاب إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي قال: كان يُؤتى بالصَّبي الصغير للنبي، لِيَدعوَ له بالبَرَكَة، ولِيُسمِّيه، فَيأخذه فيضعه في حجره، فَربما بَال الصبيُّ، فَيَصيح به بعضُ مَن يَراه، فَيقول النبي، عليه الصلاة والسلام،: لا تَرزموا الصبي بَولَهُ،أي: لا تقطعوه .فَيَدعه حتى يقضي بولَهُ، ثم يَفرغ من دعاءِهِ لَه، وتَسميته، ويُسَرُّ أهله به، لئلاَ يَرَوا أنه يتأذَّى ببوله. فإذا انصرفوا غَسل، صلى الله عليه وسلم،ثوبَه بِيَده.
وكان يَزور الأنصار ويسلم على صبيانِهم ويَتلو على رؤوسهم قولَ الله تعالى:رَبَّنا وسعتَ كلَّ شَيءٍ رحمةً وعلمًا، فاغفِر للذين تابوا، واتبعوا سبيلكَ وقهم عَذاب الجَحيم، (غافر)..
وحظُّ العَبد من اسم رسول الله «رَحمة»، أن يكونَ رحيمًا بنفسه وأهله وبالناس جميعًا