فلا تقدر الشياطين في رمضان على ما كانت تقدر عليه من إغواء المؤمنين المعظمين لرمضان، المراعين حرمته وفضله؛ ولذا تكثر توبة العصاة في رمضان، والتوبة سبب لفرح الرحمان سبحانه، ومن لا يفرح بشيء يكون سببا في فرح الرحمان سبحانه وتعالى، قَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ، مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ، إِذَا وَجَدَهَا» رواه الشيخان.
وذكر صلى الله عليه وسلم وهو يبشر برمضان: ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهي سبب لمضاعفة الأجور أضعافا كثيرة، وسبب لطول أعمار هذه الأمة في الطاعات، ولو قصرت في السنوات، وهذا موجب للفرح العظيم، فمن لا يفرح بموسم فيه ليلة من قامها فقبل منه فهو خير ممن قام أكثر من ثمانين سنة؟! ولا يعقل قيمة الفرح بليلة القدر إلا من عرف فضلها وعظمتها، ولا يدرك أهمية الفرح بكونها محصورة في رمضان وفي عشره الأخير إلا من يعي فضل قيام الليل، ومنزلته عند الله تعالى، ولو حمد المؤمنون ربهم الدهر كله على نعمة ليلة القدر، وكونها محصورة في عشر رمضان لما أدوا شكر الله تعالى عليهم بها.
وفرح النبي صلى الله عليه وسلم برمضان هو فرح برحمة الله تعالى وعفوه ومغفرته وفضله وإحسانه لعباده، فكان لزاما على كل مؤمن أن يفرح برمضان كما فرح به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يكون باعث فرحه به ما يشرع فيه من فريضة الصيام، وفضيلة القيام، وقراءة القرآن، وتنوع البذل والإحسان، الموجب لرحمة الله تعالى بعباده، وعظيم جزائه لهم على أعمالهم.
ومن فرح المؤمن برمضان ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ».
ففرحته المعجلة بفطره حين يفطر بعد أن أدى فريضته، ولأداء الفرائض لذة يعرفها أهلها، ويفرح بها أصحابها.
إنه يفرح برخصة الله تعالى له، والفرح برخصته سبحانه كالفرح بفريضته؛ لأن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، وهنا تتمحض العبودية الحقة لله تعالى حين يفرح المؤمن بالمنع من شيء؛ تعبدا لله تعالى، ثم يفرح بالرخصة بعد المنع تعبدا لله تعالى أيضا؛ ليكون المؤمن في كل أحواله في عبودية له سبحانه، ويلتزم بمقتضيات هذه العبودية. وأما فرحه عند لقاء ربه تعالى ففيما يجد عنده سبحانه من ثواب مدخر له، وهو أحوج ما يكون إليه كما قال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرا (آل عمران: 30) وقال تعالى: وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً (المزمل:20).
نسأل الله تعالى أن يرزقنا فيه حسن الصيام والقيام، وأن يمن علينا فيه بالقبول والثواب، ..