عبد القادر المهيري: أستاذ الأجيال ورائد ملحمة تأسيس مدرسة تونسيّة

بقلم: رضا كشتبان
كرّمت، مؤخرا، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس ( 9 أفريل) روح المغفور له الأستاذ عبد القادر

المهيري من خلال تنظيم أيام دراسية لتكريم العميد الراحل بمناسبة الاحتفالات بستينية كلية 9 أفريل.

وعلى هامش هذا التكريم لأحد بناة مدرسة الجمهورية عبد القادر المهيري أكتب ما يلي في حق رجل سعى إلى تحديث الأصالة و تأصيل الحداثة في المنظومة التربوية التونسية...

منذ النشأة في مسقط الرأس صفاقس في معهدها الثانوي التّليد كانَ بمهجَته شَوق إلى مسالك أرقى وأبعد في التَّحصيلِ والعرفَان فقَد لا تَتّسعُ مُنتصَفات السُّبل لمَا بهِ مِن تَعلُّق بِرفيعِ المَنازلِ المَعرفيَّة ولذلكَ تَجشَّمَ التَّرحال إلَى العاصمَة لاستكمال المؤهّلات التي تذهبُ به بعيدا فيمَا يتشوّفُ مِن درجَات المعرفَة وَهَا هو يلتحِقُ بعد استيفَاء درسِه الثَّانوي بمعهَد الدرَاسات العُليا وَمِنهُ فَاز بِالجوَاز الذِّي مَكَّــنَه مِنَ التَّحليقِ عَالِيا إِلَى عَاصمَة الأَنوَارِ مَقصَد الشَّبابِ المُتعطِّش إِلَى نُورِ المَعارِف ويَنابِيع الحَداثَة. مِن هنَاك بَدَأَتْ تنكشفُ بَعض مِن رِهانَات الأُستَاذ، لقَدْ ظلَ لِوقْــت يَتشَرَّبُ مِن مناهِج العِلم الذِي استَهوَاه، اللغَة وعلُومها مَأْخُوذا بصرَامة المنْهج ودقَّة المَبحَث في «فِيلُولُوجيَا اللُّغَة».
يعود الأستاذ إلى بلاده حاملا مشروعا لطالما أضمره حلما ولكن بدأت تنكشف بعض تفاصيله عندما باشر التدريس بالمعاهد الثانوية بالعاصمة إنه مشروع أجلَى سماته تجديد مناهج الدّرس النّحوي وانصرف مع رفاقه بَاكير والتّوهامي نقرة وبنْ علية في إعادة تصنيف مقرّرات الدرس اللغوي نحوا وصرفا وبلاغة ومَن مِن أجيال الستينات والسبعينات والثمانينات لم يعاشر بلَ لم يعشق تلك الكتيّبات الزرقاء التي تضمّنت برمجة جَديدة ورؤية مغايرة للمعتمَد في دراسة النحو العربي مشرقا ومغربا منهجا وتبويبا ومصطلحا.
إن هذا الجهد تدريسا وتأليفا ما هو إلا بداية لما سيكون من ملحمة التأسيس على غير المألوف للدرس اللغوي.

وينتقل الأستاذ إلى أروقة الجامعة في منارتها آنذاك كلية الآداب والعلوم الإنسانية ليباشر تدريس النحو العربي تقعيدا وتعليلا وتأصيلا وذلك بتقليب مسائل اللغة على محك ما حصل عليه من الفكر اللغوي الحديث

من تأليف الكتب المدرسية ومباشرة الدرس الجامعي لطلبة كلية الآداب ودار المعلمين العليا بدأت سمات الفرادة المتميزة تتجلى لدى الأستاذ المهيري وكان بعض من اختلف إليه من نُجباء يجدون بأنفسهم شغفا بالدّرس النّحوي واللّغوي والبَلاغي وتتكوّن لديهم الرغبة فِي الاقتداء بالأستاذ والانخراط في مشروعه وبدأت تتّسع دائرة البحث ورشات من الأعمال الجامعيّة أطاريح مختلفة يجد أصحابها في أستاذهم المؤطّر المرغّب والمشجّع على التّمادي في اعتماد منَاهج البحث اللغوي استيفاء للمصطلح واستنباطا لآليات التفسير والتأويل.

تَمرُّ السِّنون ويشتدّ عود المُريدين وتتسع المباحث والرسائل... في ميدان اللغة مناهج وقضايا ومصطلحات وأضحى قسم اللغة العربية في الكلية فضاء لدينامية إنتاج معرفي يحمل سمات الفرادة والخصوصية
أنها معالم مدرسة تُحسِن الاقتباس عَن أَحدث المدارس اللسانيّة الغربيةوتمتلك المعارف ولكنّها لا توظف منها إلا ما يلائم الأصول في غير إسقاط فجّ وإغفال لما في المتون التراثيّة من نظام آليَ الشيخُ على نفسه منذ البدء في أطروحته حول ابن جِنِّي أن يقتفى أثاره ويستنبط معالمه.

تتضافر لدى الأستاذ مناشط التدريس والبحث والتّحقيق والتأطير والإشراف على مناهج إصلاح الدرس اللغوي وتتمخض أعماله على درجة عالية من الخصوصية والإبداع الموسوم بما يريد الشيخ من صرامة وانضباط وتواضع العُلماء وليس أقلّ من هذه الخصوصية فضل السبق والريادة ويكفي أَنْ نذكر في هذا السياق بَاكورَة أَطارِيح دكتورا لكل من الأساتذة المسدِّي وصَمّود والطرابِلسي في مجالات شديدَة الصّلة بمشروع الشيخ فقه اللغة والفكر اللساني والتفكير البلاغي تاريخا وتأصيلاوإجراء على النصّ الشّعري.

وتتواصل الملحمة التي كانت حلما وأضحت مشروعا وبفعل تَوسيع دوائر الاشتغال تدريسا وتأطيرا وإشرافا ..على تجديد مناهج التدريس في الجامعة والمعاهد الثانوية للنحو العربي وقضاياه وبفعل التراكم النوعي للدراسات والبحوث التي يشرف عليها الأستاذ أومريدوه في نفس السياق وبنفس الآليات لأنهم آلوا على أنفسهم إن «ينحوا نحو أستاذهم «يَستنِيرُونَ بمعَارفه وخبراته الأكاديمية والبِيداغوجية..وجَذوة الرّوح العلمية التي عنه عهودها ..لقد أثمرت كل هذه الجهود تأسيس مدرسة تونسيّة في تدريس النحو وفق طرائق جديدة في تمثِّلُ التّــقعيد وتمثِيل الضَوابط, بلَى هِيَ مدرسة بدأت تتجلَّى معالمُها بالتدريج فِي مَا ألفَ الأستاذ من كتب , في ما بسط من مفاهيم قربها من الإفهام, في ما تبنى من مصطلحات جديدة كانت

إضافة حقيقيّة إلى التّراث النّحوي
من الستينات إلى السبعينات إلى الثمانينات تتأسس المدرسة التونسية في النحو وتنفعلُ مضَامينها في كل مستويات الدّرس والإشراف من الجامعة إلى المعاهد والى مراكز البحث مدرسة نحو المركبات والصندقة التي تعتبر خصوصية تونسية لا نظائر لها ولا أشباه في الجامعات العربية
الأستاذ رائد المدرسة ورأسهاوأجيال من الأساتذة والباحثين لهَا رَوافدونذكر في هذا المجال جهودَ الأستاذين الجليلين من مريدي الشيخ الخُلَّص الأستاذ صلاح الدين الشريف والأستاذ محمد الشاوش
هذه بعض ملامح ملحمة ذلك الفَتى الطُّلَعة والطَالب الطّموح الذي تخيَّرتجشم طلب العلم «ولو في باريس» نَاهلا من المعارف أدقَّها ليُجريها في مجالات اتَّسعت أفقيا بين الفضَاءات المدرسيّة والجامعية والإدارية وعموديا بين التدريس والتحقيق والبحث والتأطيروالتَّأليف...ملحمة التَّأسِيس لبنة لبنَة لمشروع يحِملُ كلَّ تفاصيلِ التَّونسَة بروح وَطنية غيرخَافية على ذوي الوَعي التَّاريخي.

رَحم الله أستاذ الأجيَال لَقد أنَارَ ألْهَمَ, تاق, وحقق.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115