مسرح الاوبرا: افتتاح تظاهرة تونس عاصمة الثقافة الاسلامية: عرض «ذروة المعالي»: تونس ولّادة والاختلاف ديدنها

الاختلاف يصنع التميّز، الاختلاف يبني جسور الابداع ويحطّم كل الحواجز المكانية و الزمانية التي قد تعيق التواصل

مع الآخر والموسيقى لغة تعجز كل اللغات عن منافستها لغة تتجاوز المكان و ترحل في الزمان لتسبر أغوار النفس البشرية وتسافر بها الى عوالم جميلة وممتعة ولأنها لغة ليست ككل اللغات اختيرت لتكون عنوانا لافتتاح تظاهرة تونس عاصمة للثقافة الاسلامية عن الدول العربية، افتتاح تونسي الروح اوركسترالي التوزيع مع عرض «ذروة المعالي».
هو عرض صوفي اوركسترالي احتفى بالأغاني الصوفية بتوزيع موسيقي جديد اشرف على تقديمه المبدع سامي بن سعيد وعلى اخراجه سليم الصنهاجي وقدمته اروكسترا وأصوات اوبرا تونس بقيادة هشام العماري بمشاركة الفنانين محرزية الطويل ومحمد العايدي.

تونس الاختلاف والابداع
تونس ارض الحضارات، تونس ارض التواريخ المختلفة و الاديان كذلك تونس ارض الابداع، ارض اجتماع كل الاديان و الثقافات خدمة للانسانية، تونس ارض التاريخ تونس النوميدية تونس القرطاجنية تونس الرومانية والبيزنطية، تونس الاغلبية والفاطمية و الصنهاجية والزيرية تونس المقاومة التي دحرت الاستعمار تونس دولة الحقوق ومجلة الاحوال الشخصية، تونس الاستقلال والمقاومة المتواصلة، تونس شرارة الربيع العربي، تونس المرأة الشامخة تونس عليسة، تونس دهية بنت تيفان، تونس امّ البنين الفهرية، تونس الجازية الهلالية والسيدة المنوبية تونس اروى القيروانية وعزيزة عثمانة ومجيدة بوليلة، تونس شريفة المسعدي وراضية الحدّاد، تونس كلّ هذه الاختلافات تونس نوتة موسيقية لينة حينا وثائرة احيانا، تونس عاصمة للثقافة الاسلامية للعام 2019 تونس الاختلاف والابداع كما تجلى في الكلمات الافتتاحية المقدّمة وكما ظهر في الموسيقى التي استمتع بها جمهور مسرح الاوبرا.
ولأنهـــــا أرض الاختلاف والافكــار المختلفة للبناء والابداع قدّمت الاغاني الصوفية التي نحفظها جميعنا بطريقة اوركسترالية مميزة، للحظات تخيل أنك تستمتع لفارس بغداد ونوتات التشيلو والكمنجات تصنع تلك الملحمة الشعورية المميزة.

الاوركسترا تصنع الحدث
ساحرة هي النوتات الموسيقية، الكمنجات تصنع ثورة موسيقية على الركح، نوتاتها الهادئة تعلن عن بداية الحلم اللذيذ، جاراتها الالات النفخية هي الاخرى تعلن عن ميعاد موسيقي مختلف، والدفوف هي الاخرى موجودة فكيف للحضرة وموسيقى الصوفيين دون الدف والبندير، فلسفة موسيقية تونسية الروح عالمية التوزيع كشفت ان انفتاح الموسيقى التونسية على موسيقات العالم فلسفة ابدع سامي بن سعيد في كتابة نوتاتها وكأنه ينسج عوالم مميزة تخبر الكلّ ان تونس ولادة.

عنوان العرض «ذروة المعالي» ومنذ العنوان يعرف المتفرج انه امام الذروة امام موسيقى مرتفعة النسق واداء اوبرالي كذلك،و»ذروة المعالي» من الاغاني الصوفية التونسية المنتشرة في جل الفرق تقريبا وتقول بعض كلماتها:

يا ذروة المعالي يا أبا الخير
باب النجّاح والفلاح

الكامل المكمّل يا مجلي الضير

أراك عدّتي وسلاحي

شمس الأفلاك في البطاح
إذا نظرت قول الصَفْوة

أراك صادق المقال
إذا رشفت رشفة حلوة

أراك صرفها الزلال
أنا وثقت نَعْم العُروة

يعلو على الملا كمال
والروح بيك عملت نشوة

والعقل منك غير صاح
الباز بلبل الأفراح»

صوت الالات النفخية تحديدا الساكسوفان يمتزج مع صوت الة البندير ومن الهناك الكمنجات تكتب نوتاتها بهدوء وكأنها تعلن عن ميلاد جديد لاغاني السّماع، مزيج موسيقي يبدو غريبا اول الامر ولكنه يزداد متعة مع تقدم نسق العرض، موسيقى خلفها صور و«مابينغ» لأهم المعالم الاسلامية الموجودة ببلادنا، نوتات رقيقة تصحبها كلمات التقرّب الى الله والتغني باوليائه الصالحين وتحمل المتفرج ليعود بالذاكرة الى تاريخ الموسيقى الصوفية في هذا الوطن.

للناي سحره صوته كما انين الارواح الحالمة و الهائمة المقتربة الى عالم الصوفيين مبتعدة عن ثقل الجسد وفي الذاكرة الجماعية يعدّ السّماع بيئة صوفيّة ثريّة في تونس تعود أصولها إلى الأزمنة الأولى للفتح الإسلامي ممثّلة في اتّجاهات الزّهد بالقيروان التي كان من رجاله إسماعيل بن عُبيد (المتوفّى سنة 717 م) وأبو يزيد بن رباح والبهلول بن راشد وعلي شقران بن علي (المتوفّى سنة 802 م) وهــو الرّائد الأوّل للمسلك الصّوفيّ بإفريقيّة، وعبد الخالق القَطّاط المعاصر لإبراهيم بن الأغلب مؤسّس الدّولة الأغلبيّة. وقد شهدت إفريقيّة نشاطا صوفيّا مكثّفا في القرن الثّاني عشر ميلادي، حيث أصبحت ملتقى للتّيّارات الصّوفيّة القادمة من المشرق والمغرب والأندلس، بل باتت قطب جذب للأفكار والرّجال ومنهم أبو مدين شعيب أصيل إشبيلية (1126ـــ1197 م) وهو أستاذ متصوفة تونس أمثال عبد العزيز المهدوي (المتوفّى سنة 1224م) وأبي سعيد خلف الباجي (المتوفّى سنة 1231م) وغيرهما.

«. وقد أقام العديد من كبار المتصّوفة فترات تطول أو تقصر بإفريقية، نذكر منهم الشّيخ محيي الدّين ابن عربي أصيل مرسية بالأندلس (1165ـــ1240) الذي تتلمذ في تونس على عبد العزيز المهدوي، والشّيخ المغربي أبو الحسن الشّاذلي (1165ـــ1240) تلميذ الصّوفي الشّهير عبد السّلام بن مشيش العَلَمي (1165ـــ1228) كما كتب علي اللواتي في مجلة «الليدز» عن الموسيقى الصوفية.

وفي قاعة الاوبرا كانت الاغاني وسيلة للتعريف بها الموروث الموسيقي الصوفي الزخم والمتنوّع، وبطريقة اوبرالية واوركسترالية كتبوا جزء من تاريخ الصوفية في تونس انطلقت بأغنية «عظم بالله» وتواصلت الرحلة الموسيقية مع «يا فارس بغداد» و «يا ذروة المعالي» و «اذا نخمر» و «من لي سواك» و«انا صنعني صانع» اغان من الذاكرة والموروث، اغاني لازال يسمعها التونسي في كل المحافل الصوفية يعرفها جيدا لكنها اختلفت عنه في عرض «ذروة المعالي» مع التوزيع الاوركسترالي المختلف و اداء الفنانين المميز فالاغاني قدمت بطريقة اوبيرالية مع محرزية الطويل ومحد العايدي.

اختلفت الطرق واختلف التوزيع ايضا
موسيقى مميزة نوتات رقيقة تحمل المستمع الى عوالم اخرى اكثر جمالا، الموسيقى الاوركسترالية التي تعزف السيمفونيات ففي «ذروة المعالي» نجدها تعزف الامداح والأقطاب وأغاني الطرق الصوفية المختلفة، الالات الموسيقية الغربية والعربية، الالات الوترية والنفخية جميعها جسّدت الاختلاف وصنعت منه نسيجا موسيقيا ممتعا، وللمستمع ان يبحث في الاختلاف الذي تزخر به تونس في الطرق الصوفية واغاني السّماع فهناك الطريقة الشاذلية نسبة لبلحسن الشاذلي والرحمانية والتيجانية والقادرية و السلامية والعيساوية والعوامرية وطريقة سيدي سعد شوشان، لكلّ طريقة كلمات مختلفة وطريقة مختلفة في الموسيقى فبعضها يعتمد الدف وآخر يعتمد «الشقاشق» واخرى «الزكرة» و«البندير»، كلّ هذا الاختلاف درسه سامي بن سعيد فكانت النوتات الاوركسترالية مختلفة ايضا، نوتات اشرف عليها هشام العماري قائد اوركسترا اوبرا واصوات تونس.
مدة العرض كانت ساعة من الزمن، ساعة من كتابة الياذة الاختلاف، ساعة من الابداع الموسيقي تونسي الروح والانجاز.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115