الموقع الاثري عين تونقة: Thegnica ديباجة حبّ ساتورن لأوبس

ها اننا نعود الى vaga الساحرة، بعد جولة ممتعة في دقة الرائعة نودّعها باتجاه قرطاج وقبلها سنحطّ رحالنا لسويعات

في مدينة مبهجة مدينة جمالها لا يقل بهاء عن تقة مدينة thegnica الساحرة، او «عين طنقة» التي اصبحت اليوم «عين تونقة» سنحطّ رحالنا لاكتشاف سحر المدينة الهادئة التي تلوح معالمها كباقي الوشم في ظاهر اليد.
جولة تشدّ الانتباه سيرافقنا فيها السيد محمد علي الشهيدي لمعرفة تاريخية المكان في اطار الجولة المؤطرة التي تقوم بها وكالة احياء التراث مع نقابة الصحفيين للتعريف بالمواقع الاثرية وتسليط ضوء السلطة الرابعة على الذاكرة التونسية والحضارات التي تعاقبت على هذه الارض .

عين طنقة: الحجارة ذاكرة المكان وصوته
قرية صغيرة لازالت فلاحية بالأساس الخضرة تحيط بها من كل جانب إلى يسار زائرها حقول ممتدة وشاسعة للزياتين وحقول القمح المترامية في مدخل المدينة يوجد مستودع كبير لخزن الحبوب وعيون الماء هي مصدر الحياة سابقا وحاضرا.
القرية الصغيرة ليست حديثة العهد بل ضاربة في القدم، هي جزء من هذه الذاكرة ذاكرتنا الجماعية الحضارية والوطنية، لها حضورها الهام في كل الفترات التاريخية بداية من النوميديين الى اللوبيين والرومان والبيزنطيين ثم الفترة الاسلامية، لها بصمتها من خلال النقوش والحجارة وان طمست اغلبها فلازالت تنادي المارّ بالوقوف وزيارة المكان والاستماع إلى هسيس حجارتها فوحدها القادرة على إخبارك بكامل الحقيقة فهيّا بنا نكتشفها سوية لنعرف حكاياها ومن سكنوا هذه الحجارة المترامية الموجودة على الطريق الوطنية رقم 5 بعيدا عن قرطاج بـ 88 كيلومتر.

الآثار تشدّك للبقاء والبحث عن تباشير السحر والروعة فيها، الحجارة تسكنها روح فينوس الهة الجمال، حاول الدخول حيث ذلك المبنى العالي فهو معبد وهناك انصت قليلا واجلس بين خباياه واستمع إلى أحاديث المكان، اغمض عينيك قليلا قليلا وركّز مع صوت الرياح وكأنها جولة عطارد سيحملك فيها لتكتشف thegnicaالبهية المنسية وكأنه يغازلها و يردد كلمات الشاعر احمد شاكر بن ضيّة وهو يقول:

«لا نلتقي إلا مساءً
حين يعطي الليل فرصته الأخيرةَ
للمواعيدِ الشقيّةِ،
سوف أترك باب حلمي نصف مفتوحٍ وأسبقها،
ستصعد سُلّم الأنفاس خائفةً وتتبعني..
سآخذها بعيدا عن عيون الساهرينَ 
إلى عيوني (حيث خبّأتُ ابتسامتَهَا، 
ولون شفاهِهَا، 
وبريق نظرتِهَا 
وشامة خدِّهَا...»

هل انتهت فسحة الخيال؟ فلنعد لاكتشاف هذا المكان اذن، ايها القارئ انت في «عين طنقة» او عين تونقة كما تسمى الان، موقع اثري يعود الى النوميديين فكل المدن التي تبدأ بحرفي THهي نوميدية ، ربما تركت تانيت بعض سحرها في المكان ما زاد في روعته وسط تلك الحقول المترامية، وعين طنقة هو الاسم الحديث والاسم القديم هو thegnicaومعناه العين فالماء كان من شروط قيام الحضارة بالإضافة الى الأرض ومقاطع الحجارة على حد تعبير السيد محمد علي الشهيدي مرافقنا في هذه الرحلة إلى غياهب التاريخ.
لأنك لازلت جالسا أمام المعلم الشاهق ارفع رأسك إلى الأعلى ستشاهد بعض الأحرف ومنها PDD وهي اختصار لاسم المعلم واسم من ساهم في بنائه واسم الامبراطور الذي شيد المعلم في عصره وبذلك يتضح أننا أمام معلم روماني هو المعبد الكبير، معبد تجتمع فيه جونو وجوبيتير و منيرفا وفينوس وماركور لينثروا بهاءهم وحكمتهم على المدينة فتنتشي

وتقول على لسان جميل بثينة:
وأنتش كلؤلؤة ِ المرزبانِ،
بماءِ شبابكِ، لم تُعصِري

أينما وليت وجهك اعترضتك الحجارة والنقوش لكل حكايتها، لكل نقيشة سرّ دفين تعرف تفاصيله وجزئياته، بقايا الكوليزي وقوس النصر تبدو واضحة المعالم وكأنها تعجّ بالمارة، ساحة مربعة غير بعيد عن المعبد الكبير هي حتما ساحة السوق وخلفها مباشرة معبد مربع صغير ربما معبد كرويوس ألاه التجارة.
في عين طنقة بقايا الكوليزي تشدّ الانتباه وفي شكله شبيه جدا بكوليزي الجم وأوذنة حسب قول السيد محمد علي الشهيدي.

الطقس الربيعي الجميل زاد المكان بهاء، تخيّل للحظات انك تعيش في الفترة الرومانية وسط تسارع السكان لبناء المعالم وتشييد أجمل البنايات تخيل لوقت وجيز انك قي ساحة الفوروم تستمتع بسماع نوتات سينفونية الحب التي يرسلها ساتورن saturn اله الخصوبة إلى محبوبته الأزلية «أوبس» الاهة الخصوبة والحصاد وأرم بنظرك أمامك ستشاهد حقول القمح الشاسعة وكأنها امتداد للحظات عشق «اوبس» للمكان أو هي نتاج حكاية حبهما المميزة.

من بلدية عند الرومان الى موقع منسي اليوم فهل من نصير؟
يزداد صوت صفير الرياح، الشمس الاخرى تشتد اشعتها لتصبح حارقة بعد ان توسطت كبد السماء وكأن بالطبيعة توقظك من رحلة الحلم تلك لتعود الى الواقع لتجدك في مدينة اثرية مهجورة، مدينة اثرية استطاعت ان تكون في العهد الروماني بلدية في القرن الرابع ميلادي وها هي اليوم قرية اثرية مرمية داخل الحقول لا يعرف الباحثون مساحتها وليس من حقهم الحفر لاكتشاف ما خفي من أسرار.

بين الامس واليوم بون شاسع، بين الماضي والحاضر هنات ومشاهد مؤلمة، فتلك الحجارة التي تجلس فوقها ربما كانت من اعمدة المسرح او معلم ما، والحجارة المترامية امام ناظريك احدى اجزاء الكنيسة و النقوش الموجودة في كل مكان هي جزء من ذاكرة هذا المكان الذي عرف اوجه بعد ان اصبحت عين طنقة مستعمرة رومانية في عهد يوليوس قيصر كما شقيقتها غير البعيدة دقة، وارتقت هذه القرية الى رتبة بلدية في عهد سبتيميوس سيفيروس (Septimius severus) حسب (J.Gascou) و(C.Lepelley)، أو في عهد سيفار الاسكندر (Sévére Alexandre)، وظلت كذلك في ق 4م.

كما ان ازدهارها تواصل ايضا في القرن 5ميلادي من خلال مشاركة اثنين من قساوستها، أحدهما كاثوليكي (Aufidius)، والآخر منافسه الدوناتي (Lulianus)، في مؤتمر قرطاج سنة 411م. وفي ق 6م، احتلها البيزنطيون وأسّسوا فيها، في عهد جوستين الثاني (Justin II)، قلعة قرب العين ذات خمسة أبراج (trapézoïdale). التي تبدو ابرز المعالم اليوم ويلاحظ زائر عين طنقة اليوم بقايا معالمها القديمة، وخاصة منها الحمامات والخزانات والبازيليكا والمسرح والملعب والساحة العامة والأسوار وآثارا متناثرة حولها.

الموقع يستحق المزيد من الاهتمام، موقع استراتيجي يستحق وعن جدارة ان يكون جزءا من المسلك السياحي الثقافي في جهة باجة على حدّ تعبير السيد محمد علي الشهيدي محافظ رئيس الموقع الاثري بدقة، مرافقنا الذي حدّثنا عن امجاد ماضي عين تونقة بحسرة طفل يشاهد بيتهم يهوي تدريجيا، صورة ربما وحده يعرف جزئياتها لانّه باحث في التاريخ ويعرف

جيدا حكاية كلّ حجارة.
وفي صرخة الفزع التي تحدّث بها اشار انّ ابرز المشاكل هو المشكل العقاري فالأراضي التي تشاهدها ايها الزائر وأشجار الزيتون والمنازل التي تراها عيناك داخل الموقع ليست حلما بل كابوس حقيقي يعاني منه ابناء معهد الوطني للتراث وكل الباحثين لان الاراضي ملكيات خاصة و الدولة «ماتملكش شبر تراب في الموقع» كما صرّح السيد سمير عون الله مدير بحوث في وكالة احياء التراث مضيفا انّ الموقع قانونيا مصنّف وتلك تحسب للشأن العام ولكن لا يمكن فتح الموقع للزوار دون توفر بعض وسائل الراحة للزائر على غرار الحمامات و مكان لاقتطاع التذاكر وجميع هذا مستحيل ما دامت الارض التي يوجد فوقها الموقع تعود الى الخواص واشار محدثنا إلى أنّ أغلب اصحاب الاراضي هناك يريدون «التعويض» لا البيع، فلِمَ لا نكون كما الرومان الذين يتبرعون لبناء المعالم التي ظلت لقرون شامخة تحدث كل من يأتي من المستقبل عنهم؟

عين تونقة الموقع الاثري الساحر، مدينة بأكملها اغلبها تحت اشجار الزياتين، مدينة منسية ربما يمرّ عليها مستعملو الطريق الوطنية رقم 5 دون الانتباه لتاريخيتها وعراقة حضارتها، مدينة جزء منها مطمور لازال ينتظر تحرّك ابناء الجهة للدفاع عن حضارتهم و البحث عن حقائق تخفيها الأرض عين تونقة موقع يستحق الصيانة والحماية كما الشقيقة دقّة وله مقومات المسرح الدائري الذي ربما يكون يوما مفتوحا للتظاهرات الثقافية لفلاحين متمسكين بالارض، عين تونقة المدينة الاثرية المنسية تنتظر استفاقة ابناء الجهة «كل مدينة تخدمها رجالها» وعين تونقة الموقع الاثري يبحث عن نصير حينها يمكن للمعهد الوطني للتراث التدخّل لاتمام الحفريات واكتشاف ما تخفيه الارض تحتها فالتاريخ ليس مجرد حجارة بل حقيقة وجب الاطلاع عليها لمعرفة بعض القوانين التي كانت تسير تلك المدينة في سالف العصر.

عين تونقة الموقع الجميل نودّعه على امل ان يتحقق حلم عاشقي التراث ليفتح الموقع للعموم يوما ما، نودّعه بحسرة طفل صغير يلاعب فراشات الربيع إلى حدّ قتلها، نودّعه وفي القلب حسرة على ذاكرتنا المطمورة بقول النابغة الذيبياني:

يا دار مية بالعلياء فالسند
أقوت وطال عليها سالف الأبد
وقفت فيها أصيلانا أسائلها
عيت جوابا وما بالربع من أحد

إلا الأراوي لأيا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115