والناقد نور الدين صمّود كما وصفته رئيسة قسم الآداب بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» الأستاذة رجاء ياسين بحري في تقديمها للشاعر خلال أمسيّة أدبيّة، نظّمها بيت الحكمة يوم الخميس الماضي وأثّثها نور الدين صمود محاضرا حول أدب المجالس الأدبيّة الخاصة.
تضمّنت المحاضرة مبرّرات «الاهتمام بضرب طريف من الأدب يسمى أدب المجالس الخاصة» المتعلّق حسب الأستاذ نور الدين صمود بنماذج من نصوص شعريّة نادرة وأقوال لقدماء ومحدثين، حيث يدوّن القدماء في مؤلفاتهم ما كان يحدث في تلك المجالس ثم تتحوّل النصوص وفقا للمحاضر إلى مادة للسجال بين مشاهير الإبداع والعلم والسياسة كالوزير أبي عبد الله العارض الذي أثّرت مواقفه في كتابات أبي حيان التوحيدي، وتحديدا في بعض نصوص الهزل الواردة في مؤلف «الإمتاع والمؤانسة» باقتراح من الوزير للخلاص من ضغط جدّ «قد كدّهم ونال من قوّاهم وملأهم قبضا وكربا» . لنستشف ممّا تقدّم تعدّد وظائف أدب المجالس باعتباره ممارسة إبداعيّة تتخطى حدود الهزل وسجال رواد البلاط نحو الحاجة السيكولوجيّة وهو ما يعبّر عنه بالسيكودراما في معجم علم النفس التحليلي لأنّ الفنون آليات تصعيد وتعويض، فالإمتاع والمؤانسة مرجعيّة مجسّدة لوعي بقيمة الخيال الفني من جهة كونه عطلة الروح بلغة «بول كلي».
صفوة القول يستوجب أدب المجالس إعادة قراءة طبقا للمناهج الجديدة، فلا يجوز اختزاله في نصوص لهو أو أوامر بلاطيّة، بل هو مادة لقراءة سياقات فكريّة وسياسيّة وتدابير اجتماعيّة. فكم هي عديدة المضامين العميقة التي يمرّرها الباث في مفردات تبدو للقارئ السطحي شديدة الوضوح؟ وكم هي ثريّة بعض الرسائل البرقيّة؟ لعل هذا ما عبّر عنه الأديب والناقد الفرنسي أندري جيد في قوله «النص الجيّد يستوجب القارئ الجيّد».