بورتريه «شباب المغرب» سيف الدين الجلاصي: سأحياً كما تشتهي لغتي أن أكون... سأحيا بقوة هذا التحدي.

تونسي عشق هذا الوطن، آمن بأن الفن سلاح للمقاومة، تونسي الروح والانتماء وعالمي التكريم والجوائز، من تونس انطلق حلم جسده في وطنه

وفي مخيمات اللاجئين، عاشق لكل تلوينات الفن لان الفن عنده حياة والحياة تستحق المقاومة، لا يهاب الضغط و الانكسار فمن رحم كل انكسار يولد الحلم اقوى واشد شراسة
ولد ليصنع لنفسه طريقا مختلفا، امن بقدرته على التميز، تماهى في كل الفنون خبرها وجربها ليصنع مسيرة جد محترمة رغم صغر سنه توج بجائزة الأمم المتحدة للمتطوعين العرب وكرّم في الاسكندرية وتوج بجائزة هي جائزة الشخص الاكثر تأثيرا في المنطقة العربية، تتويجات سبق لـ«المغرب» ان سلطت عليها الضوء وضيفنا اليوم هو سيف لدين الجلاصي الرئيس الحالي لجمعية «فني رغما عني».

تمرد على العائلة منذ النعومة
اسمر سمرة هذه الارض، منذ النعومة تعلم أن يكون مختلفا ويتمرد على السائد والموجود، منذ الطفولة اختار أن يكون مشاكسا كتراب هذه الأرض فهو اكبر إخوته ولأنه المدلل اختار له والده قالبا معينا ليكون «الابن المدلل حد إغلاق جميع منافذ الشارع ليكون الصغير محميا» ويوضع في قالب «الابن المدلل والقراي» على حد تعبير سيف الدين الجلاصي ولكن « ولدت رغبة التمرد عندي منذ الصغر تمردت على المربع او الخانة التي أرادوا وضعي فيها، وخرجت الى الشارع وعشت كل التجارب التي يعيشها الطفل حرا».
بعد الطفولة كانت «الطرشيقة» كما يقول الجلاصي في الملاعب «في الستاد حدث الكثير من التغيير في شخصيتي هناك كنت اغني اغان ذات النفس الرافض للحاكم وللمنظومة، اغاني التحرر التي كانت تردد في الملاعب ساهمت تلك الأغاني في نضجي الفكري وساهمت في جانب من استقلاليتي الفكرية وكانت متنفسا للهروب من ضغط العائلة والمجتمع والدراسة ، بعدها كان الانهماك في الدراسة «درست للباكاولريا فقط لابتعد عن العائلة ولنحت مسيرة كما اريدها لا كما يريدها المجتمع» على حد قوله، وبعدها تكون المرحلة الاخرى من تكوين ملامح الشخصية المتمردة بالدخول الى المعهد العالي للفنون الجميلة «البوزار بتونس».

الجامعة..حلم ونفس آخر
«حلمت، وكنت مؤمنا بقدرتي على أن اكون مختلفا، طالما رددت مقولة درويش هل في وسعي أن أختار أحلامي، لئلا أحلم بما لا يتحقق، وفعلا اخترت حلمي، ساكون فنانا مختلفا عن المنظومة» هكذا يقول الجلاصي عن بداياته في الجامعة.
سالناه عن سبب عدم دراسة المسرح فاجاب « المسرح من التحصيل عندي، مارسته في المدرسة، ثم في جمعية الزيتونة للمسرح ببن عروس وشاركت في عدة اعمال ومنها «قيروان الخلود»، اردت خوض غمار مغامرة جديدة اضيفها للزاد المسرحي فاخترت الفنون الجميلة» وفي الجامعة كانت الاستقلالية المطلقة كنت «نخدم ونقرا» لاصنع سيف الذي اريد.
في الجامعة كان سيف الدين الجلاصي من اشرس الناشطين صلب الاتحاد العام لطلبة تونس، «هناك تتلمذت عند شكري بلعيد، منه تعلمت فن الخطابة، وكنت لثلاثة اعوام مرشح الطلبة في خطة كاتب عام، تجربة نقابية علمتني الكثير من الحب والجرأة، تجربة اثرت في شخصيتي واعتبرها رغم قساوتها من اجمل التجارب».

الثورة...مانيفستو الثقافة الصدفة الاجمل
هادئ جدا، ينهمك في مكتبه لمراجعة الاوراق والوثائق المقدمة لمشروع ما، دائم الابتسامة رغم صعوبة الظروف احيانا، كلما واجهته بسؤال يجيبك مبتسما «اريد ان اعايش حلمي، الحياة قصة مميزة فلنعشها ببساطة ولنصنع احلامنا كما نريد» هكذا يعرفه اصدقائه الذين يشاركونه لاالحلم والعمل.
وجد نفسه في ادارة مهرجان «صدفة»، يقول عنها سيف الدين الجلاصي «مررت صدفة من دار الفنون البلفدير، وجدت مجموعة من المهتمين بالثقافة يحضرون لمهرجان هو مانيفاستو الثقافة بالصدفة وجدتني معهم وبالصدفة كنت في اللجنة المركزية للمهرجان» تلك كانت اول تجربة لي بعد انهاء دراستي الجامعية.
تحمله الذاكرة الى تلك التجربة فيقول عنها انه وجد صدفة واخذ معه 50شابا من الكبارية وحي التضامن السيجومي المنيهلة مرناق وعملنا في شكل محتبر منذ البدء كان هاجسي ايصال الفعل الثقافي الى البعيدين عن المركز، ، «اجتمعنا في مركز الشباب المرسى وفي المهرجان يوميا نفتتح العرض بعروض لمسرح الشارع، لاسبوع تمكنا من افتكاك الاضواء من الركح الرئيسي واصبحت تلك العروض اكثر اقبالا وانجزنا «خوضة» في الشارع الاكبر» كما يقول الجلاصي مضيفا أن بعد نهاية مانيفستو الثقافة تلك التجربة التي وصفها بالمميزة والاستثنائية، اجتمع بالشباب وقرروا أن يواصلوا العمل حتى بعد نهاية المهرجان، وكانت دار الثقافة المنيهلة أول الفضاءات التي تجمعهم وتجمع شتات الفكرة والروح ومن هناك ولدت فكرة «فني رغما عني» وفن الشارع.

فني رغما عني...الفكرة العروض والكثير من «الوجيعة» والمقاومة
الفن حق، الفن حياة، الشارع موطن للفن والابداع، في الشارع ولدت الفكرة وفي الشارع نجسدها والى المارة توجه اعمالنا، هكذا هو شعارهم (في فني رغما عني) عن الاسم قال الجلاصي «لا ندري كيف ولد الاسم، ولكنه نتيجة لضغط الشارع الذي لم يتقبل بعد خروجنا الى الشارع والامن و الافكار الظلامية زمن الترويكا، فقط اردنا افتكاك اعتراف الاخر بنا، ومن يقول «فني رغما عني» فقد اعترف بنا» فنحن نؤمن ان داخل كل منا فنان، الفن كما الإنسانية فطرة داخلنا، من هناك ولد الحلم كبيرا، من هناك قلنا «أننا قادرون على النجاح فلنبدأ المشوار» على حد قوله..
والأربعة هم حمدي الجويني عاطف حمداني وبلال الجلاصي، وسيف الدين الجلاصي « انطلقنا في العمل مع الشباب، نقوم بالتمارين في دار الثقافة المنيهلة، ويوم 9اوت 2011 خرجنا بأول عمل مسرحي الى الشارع» يومها قلنا «توه» يجب ان نكتسح الشارع بالفن، «توه» أو فلنعلن انسحابنا، وقدمنا عرض « حركة التحرير» عرض نقدنا فيه حركة النهضة وحزب التحرير ووجدنا أنفسنا في عمق السياسة، العرض كان أول تجاربنا و9اوت يوم استثنائي يومها عرفنا أن المواطن في صف الثقافة والمثقف.
بعد «جهنة» كانت «دورة مياه» فالجمعية تشاكس الجمهور انطلاقا من الاسم، منذ العنوان يدفعونك للسؤال عن سر العمل وسبب تسميته، سؤال جعل الجمعية هي الاكثر صمودا امام كل الضغوطات، ففني رغما عني ظهرت في 2011 كحركة وظهر معها مئات الجمعيات التي تعمل في فن الشارع ومنذ 2016 بقيت وحدها قائمة الذات والفكرة.

ماذا بعد العروض؟ الطريق الى المأسسة؟
لا يأس مع الحياة، لا يأس مع وجود أفكار ظلامية تريد أن تسيطر على التونسي، كيف نيأس ونحن نؤسس للبديل، كيف نستسلم ونحن في البداية؟ وكيف سنكون بعد 5اعوام؟ هكذا تساءلنا ومن هناك ولدت فكرة مأسسة الجمعية، لن نكتفي بكوننا حركة فنية تقاوم الافكار المتطرفة و وتقدم عروضا جريئة في الشارع، علينا أن نكون جمعية أو مؤسسة، وفي 2013 قررنا ان نصبح مؤسسة بالمنطق القانوني والإداري.بعد ان عشنا لسنوات بالمنطق «الاناركي».
في 2013 كان اول عمل لنا مع المعهد العربي لحقوق الانسان وهو الذي طلب دعمنا للعمل في صلب الفني والحقوقي السياسي، ومن 2013 أصبحت لنا استراتجية عمل واضحة الحكاية صعيبة برشة، جميعنا لا نفهم في الإدارة ولا الأوراق وفجأة أصبحنا مسؤولين عن جمعية، استحضر جيدا نقاشاتنا الحادة آنذاك ففكرة التنظير والإدارة أكثر إرهاقا من العمل في الشارع» على حد تعبيره.

وفي 2014 و 2015 كان الاشتغال على «فني من اجل حقي 1 و2» كنا الاربعة نحمل امتعتنا ونتنقل في الجهات لتكوين شباب في الفنون وبعد كل تربص ننجز عرضا ثم نعود الى العاصمة «تجربة تعلمنا فيها الكثير خاصة القرب إلى مواطني الداخل منهم تعلمنا أن نكون اشد صلابة.
لتكون 2015 عنوانا للمسيرة الجدية بعد سنوات المخبر والتجربة، فالجمعية عرفت في الشارع واصبح لها اسمها وثقلها، من هناك انطلق مشروع «زمكان» الذي عمل على الأقليات عرض قام على معسكرات تدريب وجمع ثلة من امهر الشباب في عرض يجمع كل الفنون.
بعد (زمكان) كانت تجربة (نحن هنا) في المؤسسات التربوية، تجربة ايضا مميزة لانها حملتنا الى 20 مدرسة في أنحاء تونس من الشعانبي الى الهوارية ودوار هيشر، تجربة «تشاركت فيها الحلم مع أطفال جد متشوقين للفنون» كما يقول سيف الدين الجلاصي..

الفن رسالة والاغاثة هدفنا
افكار مميزة ومتجددة، كلما انتهى مشروع يفاجئك بآخر اكثر فرادة، يعمل مع مجموعة يبدون كشخص واحد، لهم نفس الفكرة والموقف وان اختلفوا، «بعد ان نجحنا في التجارب السابقة قررنا الابتعاد عن الثقافي قليلا والاهتمام بالمجتمع انطلاقا من منطق الاغاثة الثقافية» اي العلاج عن طريق البسيكودراما ومحاربة الارهاب بالفن فعلا لا شعارات.
بحسرة تونسي يرى انتشار الأفكار الإرهابية في بلده وبوجيعة مواطن يسمع يوميا نشرات تقول ان أشرس إرهابي «داعش» هم من تونس تحدث عن تجربة «اتصال» مشروع يقول عنه الجلاصي: «ابتعدنا عن الجانب الاستيتيقي للفن وقررنا خوض غمار الجانب الاجتماعي ، قابلنا 30 شابا بعضهم وصل الى داعش وهرب منها وبعضهم يحضر نفسه للالتحاق بداعش» ويضيف، قابلناه حيثما وجدوا لاشهر ونحن نعمل معه لمعرفة أسباب تلك الأفكار المتشددة ومحاربتها، في اتصال كنا نعرف ان هؤلاء الشباب يستحقون احاطة لتغيير نظرتهم للعائلة والمجتمع واعتبر ان (اتصال) نجح في ذلك فاغلبهم عاد الى العمل وبعضهم عاد الى الدراسة وبعد ان كانوا يريدون الانتماء الى ارهابيي «داعش» انجزوا عملا فنيا عنوانه «وجه لوجه مع داعش» سخروا فيه من داعش ومن تلك الأفكار السوداء.

قافلة العمل للامل من اللاجئين تعلمنا حب الحياة
سأصير يوماً ما أريد.. سأصير يوماً طائراً، وأسلّ من عدمي وجودي.. كلّما إحترق الجناحان إقتربت من الحقيقة، وإنبعثت من الرماد.. أنا حوار الحالمين، عزفت عن جسدي وعن نفسي لأكمل رحلتي الأولى إلى المعنى، فأحرقني وغاب.. أنا الغياب.. أنا السماويّ الطريد هكذا يقول درويش وهناك في المخيمات عرفت معنى مقولة «ساصير يوما ماريد» ، سيف الدين الجلاصي ممن اسعفهم الحظ وشاركوا في قافلة العمل للامل وهي تجربة «فريدة وانسانية، وجدنا انفسنا مع اناس يعيشون شتات الروح والفكر، تجربة قاسية ولذيذة، ففي المخيمات تعلمنا أن الانسان لا يحتاج إلى المأكل والمشرب ليعيش وإنما يحتاج إلى جرعات امل وذاك هدفنا، في المخيمات علمناهم ان المخيم ليس بقضاء وقدر وعلى اللاجئ ان لا يستكين ويواصل العمل ليخرج من هناك ، تعلمنا منهم الصبر وعلمناه الامل كما يقول عن تلك التجربة التي تواصلت بتقديم عروض فنية شارك فيها عدد من اللاجئين فهم يحدثوننا عن حكاياتهم في عروض اصبحت اليوم تشارك في كبرى المهرجانات.

ويضيف الجلاصي مفتخرا بتلك التجربة الاستثنائية «اصبحت اليوم مؤسسة تترأسها بسمة الحسيني مقرها في البقاع في لبنان ولها مدرستان، مدرسة الدراما والحكواتي مع النساء اللاجئات ومدرسة الموسيقى مع الشباب والمراهقين، اصبحوا يقدمون عروضا في مسرح الحمراء عروض في المانيا ويسيرون في طريق الاحتراف» العمل للامل مصدر للالهام وكان لها الفضل لاحصل على جائزة الامم المتحدة للمتطوعين العرب .

سنوات من الاجتهاد، سنوات من صنع الذات سنوات من العمل ليكون سيف الدين الجلاصي من اكثر الشباب المؤثرين في المنطقة العربية، سنوات من الحلم والسعي لتحقيق ذلك الحلم، سنوات يختصرها الجلاصي بالفول « احببت ان اكون انا»، ونجح في صنع ملامح شخصيته المتفردة، التجربة لم تنته فلازال للحلم بقية ولازالت «محاربة الارهاب هدفنا» هكذا يقول محدثنا ويضيف: «القضية تعنينا كفني رغما عني، نحن نراها قضية حياة او موت وليست مجرد تظاهرة،» يا نحن يا هم، نعمل عليها بصدق ، اما نحن نحب الحياة او هم يريدون الموت» وبين «النحن» و «هم» تونس التي نراها حرة ابدا، ولن نتوب عن احلامنا مهما تكررت انكساراتنا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115