ومن الطبيعي أن ترتبط المسألة بعلل تتجاوز المخطّطات والبرامج لتشمل المعطيات الطبيعية والتاريخية، كما أنّها ظاهرة عابرة للحدود حيث تهم كل الدول ولكن بنسب متفاوتة.
هكذا افتتح الأستاذ عمر بالهادي محاضرته التي نظّمها مؤخّرا قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة»، تناول أستاذ الجغرافيا بالجامعة التــــونسية تاريخية التفاوت المجالي مؤكّدا كيف «ورثت تونس اختلالا مجاليا قديما يتّجه من الشمال إلى الجنوب» لاعتبارات طبيعية من جهة نظرا للتباينات في مستوى الثروات، ولأسباب سياسية تترجم الاستهتار بمقوّمات العدالة من جهة ثانية.
لا يمكن وفقا للأكاديمي عمر بالهادي تبرير الاختلالات المجالية استنادا إلى ما هو جغرافي، لذلك ركّزت مقاربته التشخيصية على السياسات الاقتصادية المتّبعة منذ الاستقلال، واصفا إياها «بغير الملائمة للتحديات»، بل هي السبب الرئيسي في تفاقم الاختلال في ظل منطق العولمة المعمّق للهوة بين الاقتصاديات . وأدّت برأيه «الاختلالات الإقليمية الراهنة» إلى ثورة 2011 ، حيث تضمّنت شعاراتها مقولات شغل، حرية،كرامة، وأقرّ دستور 2014 في بابه السابع مفهوم السلطة المحلية، ولكن هل من دور فعلي لمنطق الإقليم؟
إجابة على ذلك شدّد المحاضر على غياب وسائل التفعيل إذ لازالت أسس السلطة المحلية مغيّبة، ممّا يفسّر حسب رأيه عمق المسافة بين المناطق، كما تدهورت « أكثر الجهات المهمّشة»، لأنّ خيارات التمييز الإيجابي، والاستقلالية المالية والإدارية ظلّت شعارات للتسويق، وتردّد أحيانا شعبويا، في حين أنّ المطلوب تجسيد تلك الآليات للحد من التفاوت المشط بين الأقاليم، وليس المهم صياغة التشريعات، بل الأهم تنفيذها إن توفّرت الإرادة السياسية كي لا تتفاقم أزمات الضيم الصارخ، فالتنمية مرتهنة بخطط التوازن والاستراتيجيات العادلة.