وقال ابن أسباط: «سئل الثوري وهو يشتري عن مسألة، فقال للسائل: دعني فإن قلبي عند درهمي فلست متفرغاً لأفتيك، وقد أخطئ وأنا منشغل بالبيع والشراء».
- عمله بالعلم الذي يعلمه: كان حريصاً على مطابقة قوله لعمله، وهذا دأب العلماء العارفين والأئمة الربانيين: أن يكونوا عاملين بما يعلمون، ولا تخالف أقوالهم أفعالهم، يقول عبد الرحمن بن مهدي: «سمعت سفيان يقول: ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط إلا عملت به ولو مرة واحدة».
- قوة حفظه وشدة ضبطه: كان سفيان الثوري ثقة ثبتا حجة إماما، نقل عنه عبد الرزاق قوله: «ما استودعت قلبي شيئاً قط فخانني».
وقال ابن مهدي: «ما رأت عيناي أفضل من أربعة أو مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفا من شعبة، ولا أعقل من مالك، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك»، وروى وكيع عن شعبة، قال: «سفيان أحفظ مني».
- زهده وورعه وتواضعه: كان إماماً في الزهد والتأله والخوف، غير أن له مذهباً متميزاً في ذلك، فقد كان كثير من أهل الزهد انتهوا في زهدهم إلى الجوع والتقشف الشديد وترك التكسب، فأورث بعضهم أمراضاً وأوجاعاً، وحاجة إلى الناس، أما سفيان فقد كان متيقظاً لعاقبة ذلك، فكان يقول: «كان المال فيما مضى يكره، أما اليوم فهو ترس المؤمن»، ونظر إليه رجل وفي يده دنانير فقال: «يا أبا عبد الله تمسك هذه الدنانير، قال: اسكت: فلولاها لتمندل بنا الملوك».
وأما زهده فقد أقبلت عليه الدنيا فتركها وأخذ كفايته حتى لا يحتاج إلى الناس، وربما اشتغل بالبيع وشراء لأجل ألا يحتاج إلى الناس، ولا يمد يده، وكانت له وصايا في الزهد فكان يقول: «ليس الزهد بأكل الغليظ ولبس الخشن، ولكن قصر الأمل وارتقاب الموت»، وكان يقول: «لا تصحب من يكرم عليك، فإن ساويته في النفقة أضر بك، وإن تفضل عليك استذلك».
وفاته:
توفي الإمام سفيان الثوري بالبصرة في شعبان سنة إحدى وستين ومائة من الهجرة النبوية الشريفة، وله من العمر أربع وستون سنة، وصلى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر الكوفي بوصية من سفيان لصلاحه، وكان قد مرض أثناء اختفائه بالبصرة ومات في مرضه، فخرجوا بجنازته على أهل البصرة بغتة فشهده الخلق وصلوا عليه، ولم يتمكن إخوانه وأصحابه من الاجتماع للصلاة عليه، فجعلوا يفدون إلى قبره يوم وفاته، رحمه الله رحمة واسعة.