طرح الأستاذ محمّد الحاج سالم هذه الأسئلة الموغلة في الحس الإشكالي خلال محاضرة، نظّمها مؤخرا قسم العلوم الإسلامية بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» . وفي سياق إجابته على هذه القضايا قدّم مقاربة نقدية لعديد «المصادرات التي رسّخها الخطاب الإسلامي التقليدي في ذاكرتنا الجمعية»، مرجعا ذلك إلى عاملين رئيسيين، يتمثّل الأوّل في الخوف من المساس بمسلّمات ذات علاقة بالدين المضاد، ويرتبط الثاني باعتبارات تتراوح حسب رأيه بين الإيديولوجي والديني، وعليه يكون الخوض في تلك المعضلات مرتهنا بما هو قيّمي. لقد أساءت بتصوّره عديد القراءات في مستوى تقويمها للعقيدة الجاهلية إذ اختزلتها في أحكام قيّمية «كاعتبارها أوثان،عبادة أحجار، ديانات طوطمية الخ» ومازالت برأيه سائدة في بعض القراءات الإسلامية . انطلاقا مما تقدّم تكون إعادة فهم العقيدة الجاهلية ضرورة للقطع مع قراءات سطحية وموجّهة لحقبة ذات رصيد معرفي وحضاري، فالإسلام لا يمثّل وفقا للمحاضر» قطيعة مع محيطه وما يكتنفه من عقائد»، بل هو «تتويج لمسار طويل من تطوّر العقائد وهو استجابة تاريخية لاحتياجات المجتمع الجاهلي» منسجما في موقفه مع المقاربات الانتروبولوجية المستوعبة طقوس التدين ضمن مسارات الاستجابة لاحتياجات الإنية.
ولم تكن المرحلة «المسماة بالجاهلية» حسب الأستاذ محمد الحاج سالم خالية من المضامين المعرفية والإبداعية كما تعتقد بعض الدراسات، بل اتّسمت بعمق التديّن، وبتفسيرات سببية للظواهر الكوسمولوجية، حيث أشار في سياق تناوله لهذه المسألة إلى أنّ «نمط العيش الجاهلي كان خاضعا لتقويم خاص إنّه «التقويم النجمي» بما هو تقويم أساسه النجوم والكواكب «فقسموا السنة بظهور بعض الكواكب»، كما كانت الظروف المناخية تفسّر ببروز تلك النجوم، وتخضع أنشطتهم وطقوسهم ورحلاتهم برأيه إلى ذاك التقسيم الزمني والتقويم النجمي، فقد تترجم هذه الحقائق وجاهة إعادة قراءة الحقبة لفهم المسار التاريخي بأدوات تحليلية أكثر إنصافا لمحطات تاريخية همّشتها مصادرات واعية وأخرى غير مدركة لحقيقة المفاهيم.