انطلاقا من أن الثقافة، وحسب التعريف الجديد الذي وضع في المؤتمر العام 31 لمنظمة اليونسكو لم يقتصر على توصيفها في تنوعها، او تحديد مجالاتها فحسب بل في الربط بين تنوعها، وبين الاهداف العليا التي تسعى اليها، لاسيما التنمية المستدامة، حيث حددها في هذا التعريف بانها عبارة عن مجمل الملامح المميزة: الروحية والمادية والثقافية والعاطفية، التي تطبع مجتمعا ما، أو مجموعة اجتماعية ما. وهي ايضا التي تحتوي الفنون والاداب، وانماط العيش وطرق الحياة والحقوق الاساسية للانسان، ونظم القيم والعقائد والتقاليد، وما يخلق بهذا المعنى صلة لصيقة بين التنوع الثقافي والتنمية.
قفصة مدينة للثقافة
أشار السيد لخضر عرعاري، رئيس جمعية ملتقى قفصة لحضارات ما قبل التاريخ بشمال افريقيا وتونس، في بداية الفعاليات، ان الثقافة العريقة التي عرفت بها قفصة منذ القدم، بامكانها ان تكون رافدا لمزيد الخلق والابداع والابتكار، وتحقيق التوازن التنموي المنشود استنادا الى قدراتنا على التجديد والابتكار، واتقان لغة وتقنيات عصر المعلومات والمعلوماتية، بكل ما يزخر به تراثنا الحضاري والثقافي، الذي يكتسب ثراه من تعاقب الاجيال وازمنة وعصور ما قبل التاريخ الى يومنا هذا.
وفي السياق ذاته تم التاكيد وخلال المداخلات التي تضمنتها الندوة الاولى تحت عنوان «الثقافة والتنمية» ان جهة قفصة وباعتبارها قطبا من اقطاب حضارات ما قبل التاريخ وبما تتميز به من شواهد دالة على ثراء المخزون التراثي والثقافي والفني، قادرة على ارساء تنمية جهوية حسب هذه الخصوصيات باستغلال المعالم والمواقع الاثرية، وربطها بالمسالك السياحية وبالتالي خلق جيل جديد من المشاريع المتصلة بهذا القطاع الى جانب التراث المنجمي، رغم الاضرار التي طفت بارشيف شركة فسفاط قفصة خلال السنوات الاولى من الاستقلال وهي اضرار سببها النظرة الضيقة للمحليين الذين اعتبروا مخلفات الشركة ملكا للفرنسيين. والذي يشكل مادة دسمة لعديد الاعمال الادبية والمسرحية والفنية. وحول الموضوع نفسه قدم ايضا الاستاذ منذر براهمي المدير الاقليمي للتراث بقفصة مداخلة حول المعالم والمواقع الاثرية وعلاقتها بالتنمية، اكد خلالها بالخصوص على اهمية التراث العالمي للجهة، سواء المعروف بحضارات ما قبل التاريخ ولاسيما الحضارة الكبصية، او الاكتشافات الجديدة والمتواصلة، والتي من شانها ان تغير مجرى عديد الكتابات والبحوث التاريخية، والمتمثلة في لوحات فن الرسوم الجدارية والتي لم تكن معروفة بالقطرين الجزائري والمغربي وتم العثور عليها بسلسلة الجبال بين المتلوي والرديف وايضا بمنطقة المظيلة، وتشير الى مرحلة تدجين الحيوانات وطرق عيش الانسان في تلك المراحل. وايضا القرى الجبلية بخصائصها وعاداتها وتقاليدها، وصناعاتها المختلفة، وهو منتوج قابل للاستثمار والتسويق، وبالتالي دعم التنمية بالجهة.
من الموروث المنجمي الى الصناعات التقليدية
ومن المحاور الهامة الاخرى لندوات يوم الخميس، محور تهيئة وتطوير الموروث المنجمي، والذي يعد من العناصر الهامة للثقافة السياحية، بالحوض المنجمي الذي يمثل موقعا تاريخيا وعلميا وثقافيا للتجربة الانسانية ذات الخصوصية، حيث تسعى الجمعية المنظمة لهذه التظاهرات الى التحسيس باهمية المحافظة على الذاكرة المنجمية والصناعية والتقنية، والتسريع بانجاز متحف المناجم الذي تم اقراره رسميا سنة 1993، وهو متحف وطني ذو خصوصية دولية في علاقة مع الدول المنجمية.
اما المحور الثاني فيتعلق بالصناعات التقليدية التي عرفت بها جهة قفصة لاسيما صناعة الصوف، والنسيج اليدوي وهو ما ابرز جانب منه خلال المعرض الذي اقيم بالمناسبة، وتضمن نماذج هامة من هذه المنتوجات، والتي تمثل مورد رزق قار لعديد العائلات بالجهة. الى جانب صناعات الحلفاء ومشتقات النخيل والفخار وصناعات الرحي وغيرها.
وتختتم اليوم الجمعة 28 افريل مختلف هذه التظاهرات، بندوة الثقافة العمالية، مؤشرات التنمية بجهة قفصة وذلك في اطار برنامج الثقافة العمالية، وبالتعاون مع الاتحاد العام التونسي للشغل.