نسقا نصيا ومعرفيا يشيد معانيه ودلالاته في مواقع التعالقات السيميوطيقية بين الدوال اللغوية التي ينتجها الفكر والدوال البصرية التي يولدها التصوير ..ومن جانبه استدعى أ.رضا بن صالح في مداخلته «شعرية التفاصيل بين التسريد والتوقيع ، شارع مرسيليا للباردي انموذجا» ، الرواية لمقاربتها من جهة التفاصيل لأسباب عديدة من اهمها حُضور المادة المرجعية في فصولها السبعة والمرجع /الواقع فضاء مختلف متباين تشكل التفاصيل عماد اختلافه، وسبب ثان هو تركيز الرواية على الصورة واللقطة بحكم توظيف الباردي تقنية الكتابة السينمائية وتحديدا كتابة السيناريو ،كما يُلاحظ القارئ أن الرواية تضبط في كل فصل بورتريهات لكل شخصية من هوية وسمات جسدية وتفاصيل والطريف ان الباردي يُنجّم البورتريهات فتاتينا متقطعة ومقسّطة وفي ذلك نزوع صوب التجريب الروائي الذي مارسه الكاتب في روايات اخرى بدرجات مختلفة..
لعل التفاصيل وان وجدت في اجناس ابداعية اخرى عريقة في الادب العربي وفي الشعر اساسا ،فانها وكما اكد أ.سمير بن علي في مداخلة عنونها بـ «شعرية التفاصيل في نماذج من الرواية التونسية المعاصرة»، جاءت في الرواية على شكلين ،الاول متأثرة بالرواد مثل فلوبير وفكتور هوغو والشكل الثاني مع مقتضيات التجريب تأثرا بالفتوحات السينمائية التي انبنت على نسق التصوير والصور في علاقة بالوصف لا بالسرد كما هو الحال في الرواية ،فصار الوصف أوسع من كونه وعاء للأحداث وايقاف لزمن السرد بل صار نسق العمل يبني بالصور وانطلاقا من اعمال الباردي «ديوان المواجع «و»شارع مرسيليا «، نظر أ.بن علي في استيلاء الوصف (الصور) على نسق السرد وصار المكان عنصرا فاعلا ، أما في رواية «سنوات البروستاتا «للصافي سعيد اضاف بن علي ،فكان المكان قادحا لتحول الصور الى ضرب من التلصّص على الشخصية الرئيسية ..ليخلص المحاضر الى ان الوصف والصور بما فيها من تفاصيل لم تعد عنصرا حاويا مكملا بل تحولت الى فاعل روائي متحكم في الزمن والاحداث..هذا وبين أ.مصطفى بوقطف في مداخلته « التفاصيل مركز السرد في الرواية الراسمة من خلال «تفاصيل صغيرة «لنور الدين العلوي» ، أن للتفاصيل حضور كثيف في هذه الرواية المنقتحة على الرسم والمستلهمة لتقنياته، المحولة إياها الى ادوات بناء وتسريد ، فقد رام مصمم تفاصيل صغيرة أن يطل على العالم بعيون رسام
مسكون بجيش تشكيلي ولوع بالنزول الى ما يرى بالمجهر من جزئيات وتفاصيل دقيقة موصولة بالبورتريه وصور المدينة باهلها واشيائها، وتلوح هذه التفاصيل متجذررة ، متباعدة هامشية في الظاهر ، ولكن متى قلب القارئ نظره فيها تقليبا واستنبط ما يشد بعضها الى بعض واستشف أنها غصب السرد، ومتى أقدم على إعادة تجميع ما تناثر من تفاصيل صغيرة بانت له المدينة في كليتها واتضحت ملامح النص -اللوحة.. في اختتام الندوة ، تولى رئيس جمعية مركز الرواية العربية بقابس أ. محمد صالح مجيد تلاوة البيان الختامي المتضمن خاصة اشتغال الندوة بالتفاصيل في الرواية من حيث طبيعتها وخصوصيتها ووظائفها والتي خلُصت الى ان التفاصيل ترتبط والرواية ارتباطا عضويا... يراكمها الروائي ويُشكل بها عالما روائيا مخصوصا ، كما تم التاكيد على نشر اعمال الندوة بعد القراءة والتقويم ،باﻻضافة إلى اقتراح عنوان ندوة افريل 2018 : «محمد الباردي روائيا مبدعا»...