جاء ذلك في جلسة حوارية حملت عنوان « مائة سنة على ميلاد محمد المرزوقي »، انعقدت بقصر المعارض بالكرم مساء أول أمس حيث تتواصل أشغال الدورة 33 لمعرض تونس الدولي للكتاب.
وقد وصف خلالها الباحث بلقاسم بن جابر مدونة « الشعر الشعبي »، وهو مؤلف لوزارة الشؤون الثقافية صدر عن الدار العربية للكتاب، بـ «العمل البدائي »، مؤكدا على أن الوزارة أوقفت عملية نشر هذه المدونة لاحتوائها على « أخطاء جسيمة وتجاوزات كثيرة نسبت فيها أشعار لغير أصحابها » وفق قوله.
واعتبر أن الشعر الشعبي هو أدب العمق وأدب الأجداد ومصدر الغناء والأهازيج البدوية والصحراوية. وحذّر من أن التغافل عنه يعدّ بمثابة إقصاء جزء مهم من الهوية والثقافة المتجذرة في التونسيين، مضيفا بالقول « هذا التهميش لا مبرّر له إعلاميا ولا أكاديميا ولا مدرسيا ».
وأبرز في مداخلته أن ما يُحسب للفقيد محمد المرزوقي هو عملية توثيق الشعر الشعبي وضبطه وتدوينه ونشره إعلاميا عندما كان يشتغل في الإذاعة الوطنية، مضيفًا أنّ المرزوقي هو أول من نظّر للشعر الشعبي نقديّا في كتابه « في الأدب التونسي ».
ولدى حديثه عن القيمة البحثية لإصداره « إشكاليات الشعر الشعبي عند محمد المرزوقي»، أوضح بلقاسم بن جابر أنه أمضى وقتا طويلا لإعداده بهدف تأسيس قراءة نقدية متكاملة في مسألة الصور الشعرية والإيقاع والأوزان وعديد القضايا النقدية الأخرى المطروحة في الأدب الشعبي.
أما الشاعر والباحث رياض المرزوقي، فتحدث عن ضرورة القيام ببحث معمّق حول الشعر الشعبي إن كان يخضع لبحور أم لإيقاعات تختلف من شاعر لآخر. وقد شدّد على أن من خصائص الشعر الشعبي التونسي أنه يُغنّى ولا يُلقى، معتبرا أن الأغراض الشعرية والمواضيع في هذا النمط الشعري عديدة ومعقدة وتختلف عن الشعر الفصيح.
وحذر المرزوقي من اندثار معجم المصطلحات في الأدب الشعبي قائلا «نحن إزاء ضياع لغوي للمصطلحات الأدبية الشعبية إن لم يصدر معجم لغوي لها». ودعا إلى تدريس هذا النمط الأدبي في الجامعات التونسية.
وأضاف معلّقا على كتاب «إشكاليات الشعر الشعبي عند محمد المرزوقي» لبلقاسم بن جابر، أن هذا الإصدار يستعرض مختلف المواقف الواردة في الشعر الشعبي بطريقة موضوعية، ويوثق للذاكرة التونسية في هذا الاختصاص الأدبي.
كما تطرّق في مداخلته إلى سرد جانب من مسيرة الفقيد محمد المرزوقي، فذكر أن الأديب هو أكبر من تاريخ ميلاده المعلن (22 سبتمبر 1916) بعاميْن ولم يكن يوسفيا بل كان بورقيبيا. وتحدث أيضا عن نفيه في مناسبتين من قبل الاحتلال الفرنسي من العاصمة إلى موطنه دوز بسبب مشاركته في اجتماعات الحزب الحر الدستور التونسي وإلقائه قصائد ثورية.
وذكر أن أشعار المرزوقي تغنت بها كل من الفنانة علية وصليحة وفتحية خيري، مضيفا أن هناك أغان كُتبت ولم تُلحن. وأوضح أن هناك خلطا في بعض الأغاني التي تُنسب إلى محمد المرزوقي دون أن يكون هو صاحبها ومنها أغان للصادق ثريا والهادي المقراني وصالح التونسي.
وأهمية توثيق الأدب الشعبي وحفظه من الاندثار شدّد عليها بدوره الشاعر علي سعيدان الذي تساءل عن أسباب بطء عملية جرد وتدوين هذا النمط الأدبي. وقال إن الشعر الشعبي ثري من ناحية الصّور ومتعدد الأغراض وهو كثيف المصطلحات مما يستوجب جمعه وتوثيقه باعتباره يمثل جزءًا من الذاكرة الجماعية.