«صابرة» للمخرج مكرم السنهوري: حين يقرّر الفنان إعادة كتابة تاريخ وطنه انطلاقا من قصّة حبّ

لقصص الحب سحرها وحول العشاق والعاشقين كتب الكثير وقيل الكثير من الشعر الشعبي الذي تغنى بتلك الحكاية حد التقديس ، وللحب زمن الحرب سحره ورونقه خاصة حين يحب العاشق وطنه ولان الفن اداة للتاريخ ووسيلة لحفظ الموروث الشفوي غير المكتوب ولانه اداة للنضال

المتواصل اختار مكرم السنهوري ابن مدينة قبلي ان يقدم ملحمة 1881 بطريقة فنية، سماها «صابرة».

«صابرة» هي تونس، هي الوطن، هي حكاية عشق لا تنضب ابدا وقصة وطنية لا تعرف الافول ، صابرة حكاية وطنيين تناساهم التاريخ الرسمي فحفظت ذكراهم الاغاني والشعر الشعبي، صابرة قصة ردود فعل الحواضر والقبائل التونسية على معاهدة الحماية، صابرة عمل فرجوي لمكرم السنهوري من أشعار الناصر بن عون وسينوغرافيا الفنان التشكيلي شرف الدين بن علي وموسيقى الحبيب مدس وادارة انتاج لمنصور الصغير وهو عمل مدعّم من صندوق التشجيع الادبي والفني لسنة 2017.

صابرة... بين الحب والحرب هي تونس بين التفكك والوحدة
ان تحب زمن الحرب معناه ان تخلد الحكايات الشعبية قصة حبك وتحاك حولها الحكايات حد التقديس، و لان الحب مقدس سواء كانت المحبوبة إمراة أو وطنا وقضية اختار مكرم السنهوري ان يجسد قداسة الحب على الركح في عمل مسرحي يقدم حكاية حب زمن الحرب.
صابرة هي تونس، هي اسم القصيدة للشاعر الناصر بنعون و هي منطلق الكتابة الدرامية بما يحمله الاسم من رمزية كبيرة حول ماتعيشه بلادنا اليوم صابرة هي المرأة والأرض والوطن فكم تحملتنا بحجم جحودنا لها هكذا اجاب المخرج عن سبب اختيار إسم صابرة لعرضه.

صابرة هي تونس هي الوطن الذي دافع عنه الاجداد وسقوا ترابه دما حتى ارتوى واستقل من بشاعة الاستقلال صابرة هي صوت الحياة والحرية صابرة هي التي قال عنها الناصر بنعون:
نادت و حسبت صوتها يشرك ظلام الليل
المتخبلة في خيوطها ضاعت بلاش سبيل
و الليل فوق شطوطها تايه بغير دليل
نادت عزاز الروح الي بيدهم مفتاحها
نكونو سفينة نوح نجيبو الدواء لجراحها
حني عطرها اللي يفوح و نبقو عسل اجباحها
حني كنزها المفتوح بقصة امل صباحها

«صابرة» قصة حب في زمن الحرب بين بشير فارس النجع الذي جعلته الحرب ضد المستعمر طريدا بعيدا عن حبيبته صابرة فلا حب صغير يصمد أمام نداء الوطن و الذود عن سيادته غير ان حب الوطن والعشق أقوى من سياط الجلادين فينتصر الحب على الكراهية و ينتصر النور على الظلمة فيولد كل يوم وطن جديد أسميناه فجر الوليد المحرر المريد و حامل راية الاستقلال التي نريد

وفي تصريح لـ«المغرب» أشار مخرج العرض أن المسرحية تتناول فترة معاهدة باردو 1881 بين محمد الصادق باي والجنرال بريار قائد المحلة الفرنسية وردود أفعال الحواضر و القبائل التونسية على تلك المعاهدة وبداية حركة المقاومة الوطنية.
وإجابة عن سؤال لماذا معاهدة باردو العام 1881 تحديدا «أجاب محدثنا هناك الكثير من الملاحم التاريخية التي لم يتطرق لها المسرحيون أو السينمائيون في تونس فبقيت جل اعمالنا سجينة الاجتماعي الخانق و المدينة العتيقة و الهدف هو تسليط الضوء على احد أكبر الملاحم التي عرفها الجنوب التونسي و هي ملحمة ثورة المرازيق منذ دخول الاستعمار و الى معركة الجلاء ببنزرت و المساهمة الكبيرة لأهل الجنوب في دعم المقاومة الوطنية و دوز التي احتضنت الزعيم الحبيب بورقيبة عند نفيه للجنوب فنحن اليوم في حاجة الى ان نذكر الاجيال الجديدة بحجم المسؤولية تجاه الوطن التي بدأها الاجداد و على الأحفاد أن يتموا المسيرة في زمن التعصب و الجهويات الضيقة لا بد من وطن يوّحدنا خوفا من حالة التفكك التي قد تصيبنا فالأجيال الشابة تحتاج لمن يذكرها في أمجادها كي تستمر.

التراث البدوي الشعبي ...تاريخ غير مكتوب
الفن تاريخ وتأريخ والمسرح اداة لتخليد الملاحم والتذكير بمن ساهموا في صنع استقلال البلاد ولم تدوّن أسماءهم في كتب التاريخ، الى الصادقين الذين استشهدوا لتكون تونس مستقلة وحرة يهدي مكرم السنهوري عمله صابرة.
واكد السنهوري ان للفن القدرة على رد الاعتبار لمن نسيهم التاريخ الرسمي مستشهدا بمقولة ابن خلدون «التاريخ في ظاهره لا يتعدى الاخبار وفي جوهره بحث وتحقيق» مضيفا ان تقنيات المسرح الملحمي من بيسكاتور الى بريشت توفر مساحات كبيرة في العمل على هكذا نصوص «نص صابرة» من حيث منطلقه التاريخي باعتبار انه يعتمد كثيرا على المادة التاريخية كمنطلق اساسي في تحريك الاحداث و تدعيمها وكل شخصياتنا ربما هي تحمل تلك الذاكرة الجمعية التي يعتز بها الناس بكل تفاصيلها و تلك الشخصيات حتى و ان لم تكن منقولة من التاريخ بأسمائها و تفاصيلها التاريخية غير أنها تلتقي في قواسم مشتركة مع شخصياتنا الدرامية وهذا ما يجعل العمل مفتوحا على التأويل و يبقى الهدف الأسمى للعمل هو ذاك الوطن والعلم الذي يوحدنا وكم نحن في حاجة لمن يدعونا لوطن يوحدنا لا أحزاب وطوائف تفرقنا و هذا الخطر الحقيقي على المجتمعات الفتية.. «صابر»ة امرأة بدوية الأن وهنا توحدنا من جديد في هذا العمل تحت سقف واحد و هو المسرح و تمسك بعلم البلاد و تدعونا جميعا لرفعه عاليا وفاءا لمن سقوا هذه الارض بدمائهم.
و يهدف مشروع «صابرة» لتدوين المأثورات الشعبية من أشعار وأغاني وحكايات وأساطير وعادات وتقاليد عبر تصويرها و نقلها من خلال عمل مسرحي فرجوي و هو ما يساعد على حفظها حية نابظة بالديمومة و الحركة و يساعد على بثها أمام الناس و اذاعتها بصورة كبيرة.

فالادبيات الشعبية الشفوية التي يتداولها الناس في فترة من الزمن يأتي عليها يوم تفقد فيه نكهتها الشعبية و روحها الاصلية أمام التطور السريع للتكنولوجيا والغزو الكبير الذي تحققه الألة على حساب الثقافة و القيم الشعبية البدوية النبيلة ومن خلال هذا العمل نسعى كفريق فني متكامل للتوثيق والاعلاء من شأن هذا التراث الشعبي السامي في معانيه المخلص في وصفه لمختلف جوانب الحياة البدوية لقبائل الجنوب التونسي و قبيلة المرازيق خصوصا و منطقة نفزاوة عموما ودورها الكبير في مسار الاستقلال و الحركة الوطنية من خلال عرض مسرحي فرجوي من انتاج أعرق الفرق المسرحية التونسية و هي فرقة بلدية دوز للتمثيل بمشاركة نخبة من الممثلين المحترفين و الهواة.

«صابرة» عمل مسرحي سيكون جاهزا للعرض في شهر ماي بمناسبة ملحمة البرج التي أعدم فيها الاستعمار الفرنسي عددا من أبطال المقاومة وهي المعركة المعروفة بمعركة البرج التي دونها الشعراء الشعبيون ومازالت الأجيال تتناقلها كملحمة شعبية جماعية وترصد المسرحية مساهمة جهة نفزاوة في مسار الاستقلال، ملحمة ستكون على الركح يجسدها ثلة من مبدعي قبلي.
وقد اختيرت لوحة الفرنسي Émile Vernet-Lecomte الذي عاش في تونس مدة طويلة لتجسد معلقة العمل..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115