إشتريت البارحة فستاني الجديد للقاء عيد الحب، لكنني هذا الصباح رأيت بأم عيني وحدتي، حدقت في المرآة وجدتها فارغة إلا من شبحي، لم أذكر الوجه الذي رأيت، أهو رفيق طفولتي أم حقيقتي العارية؟ إمرأة محمومة الأنوثة منذ التفاحة الأبدية، ما الذي جنيت من زمن يلهو وينسى؟ لحظة من هنا وأخرى من هناك زرعتها في صندوق أضعت مفاتيحه التي كنت أضعها حول خصري كالعجائز ، ومضات من الألم والفرح، من الذكرى والنسيان، من شرنقة الطفولة، من بهجة الشباب، من حنين عمر هارب، من إنحناءة كعبة النهدين، من تجاعيد تزحف دون رحمة وعروق يد موجعة أبدا، من إستغاثة قلب مستجير لم يبلغ من العمر إلا ألف سنة، كم مرة مر بي العمر ووجدني أنتظر؟ أزهرت حول غصني الذابل وريقات خضراء، عشبة تبلل القلب الواهن، ربما قذفتها العاصفة التي بللت ثوبي ولم أعصره، في فمي صدى قبلة وشظايا وداع، يوقظني كل ليلة حلم يمر بي يمسك يدي .... يتركني في الصباح مع دهاليز النهار وسواد قهوتي كرفيق يستحق لحظة إصغاء، أعود ليلا مع حلمي ليقص لي قصته، ماذا سيبقى لي من العمر إن أقفلت قلبي عن الذكرى؟ وجسدي عن الأسرار وعيناي عن الدهشة؟ ماذا سيبقى لي من الفرح إن إلتفت وحيدة دون أن يقتلني العشق ولوعة الذكرى مراراً كصبية لعوب؟ يلتف الألم برداء اللامبالاة وفقدان الروح يعتري وهن الشيخوخة أمام ملذات الحياة ورغبة الشوق، لماذا لاتبقى للروح لسعات الجسد ولهيب جرعات ألهبت كؤوس الشبق.
ماذا فعلت بالأيام يارشأ؟ هل أنجزت ما أردت؟ هل تقدمت خطوات إلى الأمام؟ هل عشت حباً ترك بصماته وجراحه؟ هل أرضيت رشأ وطموحها؟ هل تجاوزت أهواءك وهل كثرت عثراتك؟ مضى العمر وهاهو عامي الجديد عام لي بمفردي بصباحاته المشرقة وتفاصيله الحزينة. ما ضره لو كتب لي القدر ان أحب ولو مرة واحدة؟ ماضره لو كتب لي أن أعيش أنثى الفرص الضائعة في لحظة جنون؟
لم يعد مجالاً للأحلام والسؤال، في كل عام يتملكني الحنين إلى ما لا أدري، أحاول أن أعيد الزمان، أسافر فوق أجنحة الخيال خشية مأساة الموت، أفتقد أشياء مازال أريجها في قلبي ، أبحث عن حدود الحاضر وأملأها بين الظمأ والجحيم بين الحاضر والآتي.
الحب يبقى عمود الخيمة فما زال قلبي محملاً بذكرى طرقات قديمة على بابي، لم تكن حياتي إلا أهواء أحب الصور فيها و رغم كل الحنين أشعر بلحظة صفاء مع نفسي، أحاول ان أنطلق بلا بداية، إشراق حكايا وخافق متعب، إستنفار عوسج وشوك حنون، لا نزوف عن البوح لا نزوف عن الوصف رغم صعوبة الكتابة ، أستغفر انزلاق اللغة فأنا لا أجيد الحروف ولا أتقن البلاغة لكن ما دامت الكلمة لا تتبخر سدى كل شيء ممكن . لم يبق في العمر مجالاً للأحلام، فقط ورقة صغيرة بيضاء من دفتر الأيام سأكتب لها عنواناً «أولويات»
بقلم: رشأ التونسي