بورتريه: الفنان المسرحي الرسام شكيب الغانمي أرسم الطفل... وعانق أحلام الطفولة لأنّها مهضومة الجانب في وطني

يؤمن ان الفن حياتة، يؤمن ان للريشة وزنها وقدرتها على التغيير والتأثير في المتقبل، يسكنه ايمان شديد بأن المسرح قادر على قلب المعطيات وتغيير الموجود وتحويل الظلمة نورا ، متمسك بأهمية الموسيقى وقدرتها على تحطيم الحواجز النفسية والعقدية والحدود المكانية والزمانية

عشق الاسود لأنه سيد الالوان ولأنه لون الظلمة التي سيأتي بعدها الضياء، هو تونسي عشق الفنون جميعها حد التماهي، درس المسرح ولازال يدرّسه للأطفال، عشق الصور الفوتوغرافية فتجول في ربوع تونس يصور كل ما يراه مميزا ومن سنتين انكب على الرسم بطريقة جديدة في تونس مستعملا تقنية نادرة عالميا وهي الرسم بالحبر الصيني.

الفنان المتعدد المواهب شكيب الغانمي استاذ المسرح انموذج للفنان التونسي الحالم والمؤمن بقدرة التونسي على التميز ولكنه لازال ينتظر ان يجد مكانته في تونس كغيره من الشباب يعمل بخطى حثيثة في صمت هدفه تعليم اطفاله ابجديات الحياة سلاحه فنه ويعمل بمقولة تولستوي الفن يشير إلى تحرر الإنسان في ساعات إبداعه ليعطي مذاق الحرية للآخرين إلى الأبد..

من طين سجنان تعلمت الحلم
هو ابن مدينة الطين، سجنان هناك حيث الكلّ يشكّل من الطين لوحات فنية نشأ وترعرع وتعلم أن كل مايعترضنا يمكن أن يكون لوحة فنية مميزة، هناك في سجنان كانت البدايات مع مشاهدة النسوة الفنانات اللواتي يقدمن اجمل المنحوتات وهن غير دارسات للفن او تعاليمه، في سجنان تشبعت يداه بالفن اما في «كاب سيراط» وكاب زبيب» فشاهد مناظر طبيعية استثنائية سكنته وأصبح هاجسه توثيقها في صور فوتوغرافية مختلفة ومن هناك انطلقت رحلته مع الدراجة العجيبة، يقول الفنان شكيب غانمي «الدراجة كانت وسيلتي وسلاحي بها جبت كل ارياف بنزرت و مدنها فقط لأوثّق ما تراه الكاميرا قبل انجاز معرض للصورة الفوتوغرافية سميته الحياة تحدّ».

فمن سمرة الارض تشبع بإرادة الحياة الصلبة التي لا تهاب العراقيل ومن مرتفعات جبل الناظور تعلم المقاومة وتسلح بحب الفن لينحت لنفسه مسيرة فنية مختلفة، من بنزرت انطلقت رحلته ليجوب بدراجته كل ارياف البلاد باحثا عن مناظر طبيعية استثنائية حاملا معه بعض العرائس وقليلا من الديكور ليقدم عرضا مسرحيا للأطفال اينما وجدوا فالفنان نبراس للسلام ووجد ليبعث في النفوس الفرحة وذلك هدفي كما يقول شكيب الغانمي.

أطفالنا مبدعون تنقصهم الفرصة وسأكون صوتهم
نصف ابتسامة يرسمها على محياه، يجلس القرفصاء على الأرض يحمل بيده احدى القصص التـــي سيحكيها لأطفالــه، يتوسطهــم لان جميعهم سيكونون جزء من الحكاية، يغني لهم اولا اغنية تتغزل وتذكر بمحاسن أحد اترابهم او سمات احداهن فيشير الجميع اليها مستبشرين منتظرين ان يحين دورهم في لمحة الشكر تلك التي يقوم بها استاذهم كطفل صغير يلاعبهم و ب»كسكاس الكذب» يشاكسهم ويشاغبهم دافعا اياهم ليقولوا الصدق وليتعلموا ان الصدق قيمة انسانية مميزة، هكذا هو بين اطفاله.

شكيب الغانمي استاذ المسرح، يتعلم على يديه قرابة 600طفل في مدارس ابتدائية ورياض اطفال مختلفة ابجديات الحياة « لا يهمني الدرس والمكتوب بقدر اهتمامي بان يحبّ الاطفال ما يتلقونه اثناء حصص الدرس، الصغار لا يحبون مجرد ان تكون استاذهم بل يحبون ان يشاركوك الدرس ليكونوا جزءا فاعلا في الدرس وذاك سر محبة صغاري لي».

عن الطفولة وأحلامهما يطنب الغانمي في الحديث، فقط اساله عن اطفاله او «صغاري» كما يسميهم، فرغم كثرة العدد يحفظ اسماءهم جميعا، يخبرك عن مميزات كل طفل ومؤهلات كل صغير، سيحدثك حتما عن فتاته تلك التي لا تمل الحكايات وتجلس بالساعات وهي تحكي حكايتها دون ملل، سيحدثك عن صغيره المغرم بالطب وكيف يجسد دور الطبيب اثناء حصة الدرس ويخاطبك كما الاطباء يحفظ اسماء الادوية وطرق العلاج، لن ينسى حتما صغيرته التي تعشق الغناء وصوتها الاستثنائي وطلبها الملح ان يعزف استاذها القيثارة لتبحر هي في عالم الغناء، «لكل طفل سره لكل موهبته، لكل طريقته الخاصة عليك فقط ان تكون طفلا مثلهم ليثقوا بك ويشاركونك أحلامهم وفنانا لازال يحمل قلب طفل صغير.

ولأن الطفولة جزء لا يتجزأ من حلم فناننا فقد قرر خوض تجربة تلفزية يكون الاطفال عمادها هم منشطو البرنامج وهم من يقدمون المادة الثقافية وربما تكون الروضة أو المدرسة هي فضاء «الطفل مظلوم في البرمجة التلفزية، لا وجود لبرنامج يقدم مادة مقنعة للطفل طفل اليوم لم يعد الساحر يغريه ولا الحمامة التي يخرجها من كم قميصه ولا التنشيط والحركات البهلوانية طفل اليوم يمكن ان يكون هو مقدم البرنامج يغني ويمثل ويكون قدوة لغيره ممن يشاهدون التلفاز» على حد استاذ المسرح شكيب الغانمي عاشق الطفل والطفولة وصوتها كما يقول.

الرسم بالحبر الصيني...صعب ولكن ضحكة الاطفال تجعله ممكنا
شكيب الغانمي فنان لا يقبل التصنيف، فان قلت اب الفنون المسرح حتما ستستحضر اداءه المميز في مسرحيتي شهرزاد والغراب الابيض وسندريلا وبياض الثلج والساحرات وعاقبة الفضول وجميعها موجهة للطفل، وان قلت الصورة الفوتوغرافية حتما ستستحضر جولته في ربوع تونس ومعرضه الذي سماه «الحياة تحدّ» وان قلت التعليم فتجد امامك استاذ مسرح ينكب طيلة الوقت مع اطفاله يعلمهم حب الفن والحياة.

وان قلت الموسيقى فستفاجأ حين تعرف أنه يعزف القيثارة و«الفليت» ولفناننا موهبة اخرى هي الرسم، هو فنان اختار اصعب السبل لانه ومنذ سنوات انهمك في الرسم بالحبر الصيني، الرسم بسيد الالوان الاصعب من حيث التقنية وطريقة التعامل «فاللوحة يمكن ان تستهلك اكثر من اسبوع بسبب صعوبة التقنية» على حد تعبيره، وحين سٌئل عن سبب اختيار الحبر الصيني وليس الزيتي او المائي اجاب بنظرة متحدية «اعرف انه صعب ولكن الطفولة مصدر الهامي ارسم الاطفال ارسم الحياة وكلما كانت ضحكة الطفولة سندي ومصدر الهامي نقص التعب وزاد اصراري على المواصلة».

حاولنا البحث عمن يرسمون بتقنية الحبر الصيني في العالم فوجدنا ان اشهرهم ثمانية فنانين صينيين متخصصين في أعمال فن الحبر الصيني وهم «خواي إي»، «جين وي خونغ»، «لي جين»، «ليوتشينيغ خه»، «تشيان جونغ بينغ»، «شين كين»،» وو إي» و»إي لياو»، لان التقنية صينية بالاساس، اما غير الصينيين فاغلى اللوحات بيعت لوحة «تان تان» للرسام البلجيكي «هيرجيه» بمليون دولار، وهناك الفنانة الفلسطينية «منار دوفس» من مدينة الخليل، أما في تونس فلا وجود لمن يستعمل هذه التقنية، وان وجد فهو غير معروف .

يمسك قلمه، يجلس القرفصاء لساعات، قد تقلق وأنت تنتظر النتيجة، يحاول ان يخلط الحبر بقليل من الماء ليصل الى النتيجة المرجوة دون ان يفقد الحبر سواده وسيادته، ساعات طويلة من العمل حتى تفرغ كمية الحبر الموضوعة أمامه حينها فقط يمكنه طلب القليل من الراحة من خلال العزف، هكذا هي حياته مع الرسم. ويفصل الجمهور اسابيع قليلة عن معرضه الشخصي «اطفال العالم» الذي سيقدم فيه باكورة رسوماته بالحبر الصيني، مع الاشارة إلى أن شكيب الغانمي سبق له أن شارك بمعرضين برسومات الحبر الصيني الأول في اسبانيا والثاني في فرنسا، وسيكون له معرض شخصي في ايطاليا فكيف بفنان يقبل الاجنبي على لوحاته وفي وطنه لا يعرفه غير القلائل من اصدقائه؟ ومن الطرائف تمنيه ان يكون لوحة «في المعرض في اسبانيا وحين شاهدتهم كيف يلبسون القفازات البيضاء ويحمل

اللوحة اثنان ليضعانها بهدوء في السيارة تمنيت ان اكون مكان اللوحة وقلت حينها صحة ليها»..

مجموعة من اللوحات كلها حول الطفولة في العالم، اطفال تونس وأطفال فلسطين وأطفال القارة السمراء، الطفل الحضري والريفي، الطفل العامل والآخر الذي يزاول تعليمه جميعهم اثروا في شكيب الغانمي فرسمهم، لوحات كثيرة كلها حول الطفولة من «الفلاحة»: الى «الحب» الى «الصدق» الى «نظرة أخرى» جميعها حاول أن يجسد فيها مقولة ان «الرؤية بدون عمل هي مجرد حلم، والعمل دون رؤية هو الكدح، رؤية في العمل، هو أمل العالم». واكد الغانمي ان اهتمامه بالطفل سببه اولا ان الطفولة مصدر الهامه وثانيا هي رسالة سلام الى العام املا ان تجوب اللوحات كل العالم لانها تنشر قيم الحب والتسامح فطفولة العالم مجودة في المعرض الذي سيكون قريبا جدا.

رسوماته بالحبر الصيني قال عنها الفنان الجزائري الشاب خالد «تصويرة واعرة خلاص» حين اهداه الرسام بورتريه ضمن مهرجان قرطاج، بالإضافة الى بورتريه اخر للطفي بوشناق وبورتريه عادل امام، دون نسيان تشي غيفارا وبوب مارلي والمرحوم المسرحي الطيب الوسلاتي شخصيات يقول عنها: «شخصيات أحبها وحاولت أن أخلدها بحبر لا ينشف ولوحة لا تفقد قيمتها».

هو فنان تونسي حد النخاع، منفتح على العالم، يعشق كل مايقدم ، يحب الطفولة ويريد ان يتخصص لها اما في التعليم او الرسم، فنان لانامله الاف الحكايات كلما وضع القلم على الورقة البيضاء الا ورسم الطفولة فمنها يستمد الهامه واليها يقدم لوحاته لانه طفل لن يكبر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115