الفصول الأربعة حكمها ، تعانق أطراف المدينة الثلاثة الجزيرة كطريق إلى البحر، أما الطرف الرابع فيربط الجزيرة بالمدينة جسر تمر منه السيارات القليلة التي تأتي للجزيرة تحمل بعض المواد التموينية والأدوية للجزيرة . ما عدا ذلك فالجزيرة تملك الاكتفاء الذاتي من الخضار والفاكهة واللحوم، كان الأهالي قبل بناء الجسر يتنقلون بواسطة مراكبهم أو المركب الجماعي لصاحبه يوسف . كان البحر كبيراً يتسع للجميع أما الجزيرة فهي تضيق بالجميع، فحاكم المدينة كان ظالما متسلطاً مرتشيا بسخاء يعمل تحت إمرته فريق صغير يحتكر معلوم حركة السيارات حسب وجهتها و محتواها، شرع ضرائب على كل مشاريع الجزيرة من بناء ومياه وأضواء ...
عبر شتاء بارد انهمرت الثلوج وافتقدت الألوان سطوتها، أصبح المشهد بياضا مسطحا و اضطر حاكم الجزيرة إلى اللجوء للمدينة طلبا للمساعدة قبل أن تنقطع كل الطرق وترك وراءه القائمقام الطيب القلب والذي يسميه سكان الجزيرة (القائمقام الحالم) وكان في الجزيرة مستشفى للأمراض النفسية بني على أحد الأطراف يرسلون له المجانين من المدينة وكأنه منفى، عند تراكم الثلوج استطاع المجانين وعددهم مهم فتح الأبواب وتهديم السور والخروج إلى الشوارع والاختلاط بالسكان ... وجدوا الحاكم متهللاً وعبر نزوة جنون استولوا على قصر الحاكم وأعلنوا العصيان على نظام لم يكن فعلا نظاما، كانت الأوضاع متردية بسبب تلاعب الطامعين ولتسيير الأمور كلف المجانين القائمقام الحالم و مساعدا له عسكري متقاعد يلقب بالجاويش المعتوه ، أراد القائمقام استغلال حالة انقطاع الاتصالات خارج حدود الجزيرة ليسرع في محاولة لمحاربة الفساد والمفسدين وإعادة الحقوق والممتلكات للذين سلبت منهم، وتعيين الكفاءات المناسبة في الأماكن المناسبة وكان كل ما يصدر قرارا يقول: « يجب أن ينفذ قبل أن يذوب الثلج» زار رفقة مجموعة من المجانين أسواق المدينة وكشفوا
ظواهر الفساد والاحتكار ، قرروا مساعدة الفقراء، أتلفوا الملفات والقرارات المصنفة، ألغوا البيروقراطية والأوراق الحكومية والإدارية، ألغوا الضرائب، فتحوا الحدائق للأهالي ، سمحوا بالموسيقى على أرصفة المدينة بعد أن مسح الأهالي الثلوج عنها، تركوا الإنارة ليلاً، كل إدارة يديرها مديرها دون أوامر فوقية ، رغم البرد القارص أقبل التلاميذ على مدارسهم بشغف وسعادة، السكان يتحدثون مع المجانين الذين ينشرون أمل الحرية بعد سنوات من السجن، تم إصدار قرارات إصلاحية مخالفة تماماً لما كانت عليه الإصلاحات في النظام السابق.
لكن الواقع أقوى من الحلم ومن رغبات المواطنين، ذابت الثلوج وأصبح الجسر مفتوحا للسيارات،عاد الحاكم وعاد نشاط حراسه القدامى الذين عرضوا خدماتهم للقائمقام متنكرين للنظام القديم ثم أعادوا الكرة، وصلت الجرافة لإزالة الجليد لكن سكان الجزيرة كانوا قد قاموا بالعمل وأزاحوا الثلوج، قكل شيء في مكانه، سحل الجليد، فتحت المدارس والمحلات ، نصب التجار الخضراوات والفواكه وما كان من إصلاحات نفذها القائمقام والجاويش بمساعدة المجانين أصحاب القرار.
وافقت سياسة المجانين أهواء المواطنين وأصلحت شؤون بلدتهم واستعادت العدالة فقراءها ، لكن مع الأسف تحسنت الأحوال الجوية ولم يعد بيدهم القرار، عادت الشمس مجدداً تسترجع جهدها الأبدي وتسقط شعاعها على الأرض عبر الفجوات الصغيرة المفتوحة من الضباب ، حزمات من الضوء تنعكس على الأرصفة الناصعة البياض، جمع أتباع الحاكم المجانين ومعهم القائمقام الحالم والجاويش المعتوه وأرجعوهم جميعا للمستشفى، شعرالأهالي أنهم خسروا حلماً بدأ يستيقظ، كانت قضيتهم رغم قصر عمرها قضية حياة.
تساءل سكان الجزيرة هل ما ألفوه من العقلاء من ظلم وجور هو الصواب أم أن موسم الثلج مع نزوة المجانين هو الحكم العادل ، اجتمعوا في الساحة القريبة من المستشفى للتعبير عن حبهم و تعلقهم بالمجانين واعترافهم بالجميل الذي قاموا به لتحسين أحوالهم ومساندتهم للقائمقام والجاويش، الجميع خنقتهم دموع الفراق وقبل دخول باب المستشفى التفت المجانين نحو المواطنين يودعونهم قائلين بحكمة المجانين: تذكروا الأعمال المنجزة إنها لكم تذكروا ما قمنا به معاً ، من يدري ربما سنلتقي في يوم يعود فيه الثلج من جديد.