افتتح معرض "توهّجات" أشبه بفضاء شفاف يُضاء من الداخل، حيث نصبت التشكيلية د. حنان شعبان عوالمها البلورية بلون أزرق واحد، لكنه يتشعّب إلى درجات لا تُحصى، وينبض بارتجافات الضوء وانكساراته. ستّ لوحات تُشكّل مسارًا بصريًا متكاملًا، يجمعها خيط واحد: الانصهار، الشفافية، والبحث عن تماهٍ بين الضوء والمشاعر. منذ اللحظة الأولى، يتّضح أن الفنانة حنان شعبان، لا تقدّم عملًا تقليديًا، بل تجربة حسية يتفاعل فيها البلور مع الضوء، ويتحوّل اللون إلى لغة تكشف أكثر ممّا تُخفي.
تستقبلنا لوحة " النسمة الاولى" (Zéfir) كأولى محطات الرحلة، بنعومة تشبه نسمة خفيفة تعبر بلورًا منصهرًا. هنا تتكثف الحركة في خطوط دقيقة، تلمّح إلى بداية تشكّل الضوء داخل المادة. كأن الفنانة تقول: هكذا يولد الحلم… من رعشة بسيطة تُعلن بداية الانبعاث.
في لوحة " الرحلة" (Voyage) ، تصبح الحركة أكثر وضوحًا: انسياب، مسار، عبور. الضوء يتنقّل بين الطبقات كأنه يشقّ دربًا داخليًا. هنا لا يكون السفر جغرافيًا بل وجدانيًا، فالفنانة تُحوّل الأزرق إلى حالة عبور من الذات إلى ما وراءها، كأن البلور نفسه يغامر للخروج من حدوده.
تأتي لوحة (Bulée) " الفقاعة" لتكشف عن عالم الفقاعات المحاصرة داخل البلور. فقاعات ليست زخرفة بل علامات حياة، نَفَس حبيس يحاول الخروج. تتوزّع بانسجام يوحي بأن الانكسارات ليست النهاية بل بداية تشكّل جديد. إنها لوحة تُعلّمنا أنّ داخل كل تشظّي… إمكانية ميلاد.
في لوحة :"Voyage en bleu" يأخذ الأزرق دور البطل. اللوحة هنا أشبه بمدّ بحري هادئ، يتحرّك من الداخل نحو الخارج. الأزرق لا يُلوّن السطح بل يطفو عليه، يحرّره من ثقله، ويمنحه بُعدًا روحانيًا. كأن الفنانة تدعو المتلقي إلى الدخول في هذه الموجة اللونية، لا كمشاهد، بل كعابر ضوء.
تقطف لوحة:" مشهد بحري" Paysage marin روح البحر دون أن ترسم بحرًا. التفاصيل الموحية، الفقاعات، الامتدادات الشفافة… كلها تشكّل مشهدًا بحريًا متخيّلًا، يُشبه أثر الأمواج حين تُحوّل الرمل إلى تدرجات صامتة. إنها لوحة تتكلم بفراغها بقدر ما تتكلم بامتلائها.
تُختَتم الرحلة بلوحة " داخل الأمواج " (Dans les vagues)، حيث يصبح المشاهد جزءًا من الحركة نفسها. الموج هنا ليس شكلًا بل إحساسًا: انحناءات، ارتطامات ضوء، ومسارات تنفتح نحو المجهول. فتضحى اللوحة تُشبه حضنًا أزرق، يبتلع الزائر ثم يعيده أكثر صفاءً.