تراكمات السياسة الثقافية
التركيز على السنوات الخمس الموالية للثورة التونسية لا يعني البتة القطع مع ما تراكم قبلها من إيجابيات وسلبيات في المجال الثقافي في تونس والمتقاطع مع وزارة الثقافة ولكنه يتعلق أساسا بتغير مفترض في مجال الحريات نحو التخفيف من حدة الرقابة الذاتية والرقابة التي تفرضها الدوائر الخارجية التي يتحرك في فلكها كل عمل إبداعي أو فني.
لفهم السياسة الثقافية في تونس يمكن أن نتصور مثلا أن وزيرا جديدا للصحة قرر أن تتغير في عهده ألوان المحاليل الطبية المقدمة في المستشفيات العمومية والتي يقع تعليقها وحقنها للمرضى إلى ألوان أخرى حتى يشعر الجميع بتغير حقيقي في السياسية العلاجية في البلاد والتي تقطع في عهد الوزير الجديد مع كل ألوان التطبب البائدة فتولي حقيبة الثقافة كثيرا ما ارتبط بمشروع الوزير الجديد والذي يلغي بالضرورة مشروع سابقيه دون تكليف النفس أن تبحث عن تواصل أو استمرارية ذلك أن أغلب هذه المشاريع كانت دائما غير قابلة للاستمرار أو هي مسقطة بقرار غير واع بالثقافي القائم على الخصوصية و المراكمة لا على الرغبة في التقاط الصور .
بكثير من الصعوبة يمكن تقبل مبررات الشكل القديم الذي كانت عليه السياسة الثقافية في تونس من خلال وزارة الثقافة والتي كانت تعد « وزارة سيادة» ما قبل الثورة لا إيمانا بقيمة الثقافة ودورها في تهذيب الذائقة العامة ولكن لتسهيل استعمالها في تسويق صورة معينة عن تونس « الرخاء « في الداخل كما في الخارج غير أن التحولات العميقة التي رافقت الواقع التونسي إثر جانفي 2011 يبدو أنها لم تنجح في تخليص « طين » الثقافة من « دولاب » الدولة التي لم تقنع بأن الخزاف الذي فيها قد راح بصره و ارتجفت أصابعه.
مدن الفنون: المشروع الجديد
« مدن الفنون » مشروع جديد رافق قدوم الوزير الجديد « محمد زين العابدين » ويبدو أن ملامحه الأولى تشير إلى قيامه على تجهيز ساحات تحمل هذه التسمية لتقام فيها عروض فنية وموسيقية بمناسبة تدشين السيد الوزير لها ولكن الملفت في الموضوع أن عددا من هذه الساحات قد عاد إلى عصر ما قبل التدشين مباشرة إثر مغادرة الوزير والركب المرافق له للمكان موضوع الاحتفال و الذاكرة هنا تعود بنا إلى ما اتفق على تسميته بمشروع «مدينة الثقافة» ودون الخوض في أشغالها التي لا تنتهي و المتوقفة منذ سنة 2011 حين كان الوزير الحالي « محمد زين العابدين « هو مدير عام التصرف داخل هذا المشروع ودون التعرض لكل الزيارات التي نظمها الوزراء المتعاقبون لهذا المشروع دون أن ينجح أحد في فك طلاسمه ولكن ما يعنينا فعلا هو البعد المركزي للثقافي الذي تتبناه السياسة الثقافية فيما يتعلق بالمنشآت و التظاهرات الكبرى بعيدا عن حق الجهات في التنمية الثقافية المتعلقة بالفضاءات خصوصا.
إن مفهوم « الحوكمة المحلية « و الذي يأخذ طريقه بشيء من التعثر في الواقع السياسي و الاقتصادي و حتى الإداري التونسي يجب أن يأخذ حظه و طريقه نحو الثقافي أيضا فهو القائم على الإيمان بقدرة المحلي على تسيير نفسه بتحديد الأهداف و رسم الخطط بعد ضبط الحاجيات المحلية بنوع من الاستقلالية التي لا تقطع مع المركز لكنها ترتفع إلى مستواه تدريجيا والمثال موضوع الحديث هو مشروع « مدن الفنون « الذي و إن كانت نواياه طيبة فإنه يصنف ضمن المشاريع المسقطة و التي نزل بها «مظليو» الوزارة خلف الخطوط الخلفية لصانعي القرار الثقافي بعيدا عن المركز تماما بالطريقة التي مرّ بها مشروع « مبدعون من أجل الحياة « منذ سنتين و يبدو أن عمليات الانزال الوهمي و العمليات البيضاء بصدد التواصل داخل السياسة الثقافية و ربما يجوز الحديث بعد تجارب المدينة الثقافية و مدن الفنون عن بعث « السنيت » Snit الثقافي الذي عمر بدوره مدنا بغير متساكنين و للحديث بقايا .
يحيى ياسين