عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ، رحلتي الأولى إلى المعنى ، فأَحْرَقَني،
وغاب . أَنا الغيابُ . أَنا السماويُّ، الطريد، ساصير يوما ما اريد» ، هكذا قال درويش في جداريته، وكما الطائر المنبعث من رماده كان الاطفال في مهرجان مسرح الشارع بماجل بلعباس من ولاية القصرين، صغارلا تنفسوا فنا طيلة اربعة أيام تماهوا مع «الكلون» و راقصو «الدمى العملاقة» وتمتعوا بورشات في جل ا لفنون، لهم توجه المشرفين على المهرجان واخبروهم انهم سبب بقائهم فضحكتهم البريئة عنوان النجاح.
بعد اربعة ايام من المتعة اختتمت فعاليات الدورة الاولى من مهرجان مسرح الشارع، مهرجان وفر ابتسامة لكل مواطن طيلة ايام التظاهرة، مهرجان ذهب الى اطفال الاحياء اينما كانوا فقط ليقدموا لهم باقة من الامل علها تزهر باسم الفن ويفوح منها شذى الامل.
لأطفال القرى حظهم من الثقافة
«تعلمت أن أحب طفولتي ..أن أحب البسطاء ، أن أرتب خارطة هذا الوطن وأن أقف في صف الفقراء» قولة لغسان كنفاني طبقها ابناء ماجل بلعباس اثناء الورشات التي قدموها للصغار، ورشة فن العرائس تأطير احمد نصرلي وورشة فن الممثل والمهرج اشراف اشرف الرابحي، ورشتان اقبل عليهما عدد محترم من الصغار اقبال كشف عطش الصغار للفن وللإبداع عطش عبر عنه احد الصغار بالقول امام كل الحضور «انا فرح جدا بالمهرجان، فرح لأنكم زرتمونا، نريدكم ان تزورونا دائما، لا نر يد ان تأتونا مرة واحدة فقط» بنبرة طفولية وبألم تكلم الصغير الذي سكت الكل لكلامه لصدقه.
الورشات من شانها ان تنمي مهارات الطفل او المقبل على النشاط الثقافي عموما ،لان ماتتركه الورشة في نفس المتعلم يكون تأثيره افضل من مجرد العروض.
كذلك كانت في فضاء فينوس اين اجتمع الصغار طيلة ايام المهرجان ليكتسبوا مهارات جديدة ، حلقة هنا وأخرى هناك، طفل هنا يسال عن اللوحة المعلقة لم ترمز، واخر يداعب صديقه ويريد ا ن يفتك من بين أنامله ورقة بيضاء يعانقها كقطعة حلوى وثالث منتبه لما يقوله المشرف، لكل طفل سحره ولكل طريقته في التعبير و لكنهم اشتركوا في ضحكة صادقة ، صغار ابتهجوا وعبروا عن فرحتهم بطريقتهم، اطفال عانقوا المتعة و الفرحة بالعروض والورشات المقدمة لهم، صغار عانقوا الحلم ووتماهوا مع امل جميل سينشر بشائره في مدينتهم الصغيرة وقراهم الاصغر. ورشات اشرف عليها اساتذة ينتمون روحيا وجغرافيا ا لى ولاية القصر ين يعرفون جيدا احتياجات اطفال المناطق الداخلية ويعايشون حرمان الطفولة الى الإبداع اختاروا الطفولة وعملوا معها علهم يشاركونهم جنتهم القدسية، هم اختاروا العمل وابتعدوا عن ا لاسئلة التي لا اجابات لها كما قولة درويش»، يا ابن آدمَ من، من حدود الله، لم تولد لتسأل؟ بل لتعمل؟.
اختتم المهرجان الذي قدم للطفولة الكثير ، اختتم المهرجان الذي انجز بـ 150 دينارا و ارادة قوية من ابناء الجهة لإنجاح مهرجانهم، و هنا يمكن طرح السؤال ماذا لو لم يكن ابناء تلك المدينة معا وعملوا لينجزوا تظاهرة تمتع الصغار، ماذا لو انسحب عدد منهم لعدم وجود الدعم؟ لماذا كل هذه التعقيدات الادارية التي تضع الفعل الثقافي على محك الافلاس؟ ومتى تصدق وعود المسؤولين؟ الم يعدوا بتوفير الدعم المادي والوجيستي؟ الم يعدوا بتوفير الدعم لانجاز التظاهرات تطبيقا للامركزية الثقافة؟.
تاجر البندقية لأشرف الرابحي... ابناء القصرين يبدعون
في الاختتام قدمت مسرحية تاجر البندقية ، مسرحية من اخراج اشرف الرابحي، الوان زاهية ومميزة في ملابس الممثلين، مع موسيقى الفلامنكو و موسيقى راقصة تفاعل معها اطفال المدينة .
تاجر البندقية مقتبسة عن نص لشكسبير وبعربية بسيطة اقنعوا الصغار الذين جاؤوا بأعداد غفيرة الى فضاء فينوس في ثاني العروض المسرحية التي قدمها لجمهوره، مسرحية من تمثيل ايمان مدايني وهبة زرقي ورضا بولعابي وسالم زرقي وطيب ملايكي ورياض ميساوي ووجدي علوي واحمد نصرلي، ومساعد اخراج غوث زرقي وإضاءة لشاكر قاهري.
تاجر البندقية تدور احداثها في مدينة البندقية، وقصتها حكاية شاب عاشق استدان 3000 قطعة نقدية فقط ليوفر مهر حبيبته، استدان المال من عجوز بخيل اشترط عليه قطع رطل من اللحم ان لم يرجع المال في وقته، احداث مشوقة تابعها الصغار بين خوف وتساؤل «هل سيقطع لحمه»، و«كيفاش»؟ وضحك امام المواقف الهزلية التي ابدع الممثلون في تقديمها لتبسيط الرسالة المقدمة في المسرحية، رسائل تدعو الى الحب والتسامح والحكمة واستخدام العقل في الموا قف الحرجة والبحث الدائم عن الحلول و عدم الاكتفاء.
مسرحية تاجر البندقية قامت على حرفية عالية في التعامل مع نص لشكسبير، قدمه الممثلون بحرفية وتقنيات صوتية وضوئية مميزة شدت انتباه الصغار والكبار، الممثلين اعتمدوا على الفكاهة في بعض المواقف والجدية في البعض الاخر، لتقديم نص بلغة عربية سلسلة يتفاعل معها الطفل ويتأثر بالرسالة المقدمة.
تاجر البندقية ميزتها الملابس المختلفة والمميزة، فالمخرج وكل الفريق لم يغفل عن اهمية الازياء في العرض المسرحي، ازياء توحي للطفل بواقعية الاحداث وتجعله يتخيل كيف كانت البندقية وكيف كان يلبس سكانها، بالإضافة الى الاقنعة والحرفية في التعامل معها، حرفية وعمل كشف ان في كل ربوع هذا الوطن هناك مبدعون لازالوا يؤمنون باهمية الفعل المسرحي الموجه للطفل، يبحثون في نصوص عالمية ويقدمونها بلغة عربية اولا ليتمكن الصغير من العربية وثانيا للاستفادة من الرسائل المقدمة في العمل.
تاجر البندقية للمخرج اشرف الرابحي مسرحية كشفت عن قدرة الممثلين في التعامل مع الفضاء، فعرضهم الاول كان في قاعة جد كبيرة، ثم قدموا عروضا في دار الثقافة وفي فضاء فينوس تعاملوا مع ركح مصغّر دون التقليل من قيمة العمل او الاستهانة بالجمهور الحاضر .
تاجر البندقية ميزتها الالوان ايضا في الازياء والاضواء ألوان تبعث في نفس الطفل البهجة وتدعم اقباله كي لايضجر من النص الطويل حينا والحوار الصعب حينا آخر، حيلة ذكية اعتمدها فريق العمل لكسب ودّ الطفل طيلة الساعة مدة المسرحية .
اختتمت فعاليات مهرجان مسرح الشارع في دورته الاولى، دورة تأسيسية لفعل ثقافي في ربوع مدينة ماجل بلعباس مدينة مازالت تعاند التصحر الثقافي كما تعاند شجرة البلوط كل وسائل دمارها، اختتمت الدورة الاولى امام غياب كلي لمسؤولي الثقافة بالجهة ووقوف مبدعي الجهة يدا واحدة وصفا وحدا لانجاز التظاهرة الوليدة.