بعد صيف تميز بتقلبات مناخية حادة وغير معهودة في اكثر من قارة في وقت نصبّت فيه قبل ايام في تونس حكومة جديدة …
يبدو للكثير ان لاعلاقة بين الحدثين ورغم ذلك فان رابطا خفيا يجمعهما وقد يكون محاولة إيجاد اقتصاد جديد يحمل آمالا جديدة للتونسيين …
كل تغيير سياسي يجلب معه عادة أحلام كثيرة يمكن ان نلخصها في عبارة ابتكرتها الامم المتحدة سنة الفين واثنتي عشر وهي «الحياة السعيدة « وذلك عندما احدثت في نفس السنة تصنيفا لكل بلدان العالم عبر مقاييس دقيقة لاسعد شعوب الارض كانت الدول السكندنافية التي تشبهنا عل الاقل من ناحية صغر الجغرافيا وعدد السكان في صدارة الترتيب وذلك قبل دول متقدمة مثل الولايات المتحدة او فرنسا .
ورغم تحفظاتي على المواصفات المعتمدة فان افضل ما في مبادرة الامم المتحدة هي الفكرة نفسها وهي فكرة ان تتعلق همة شعب من الشعوب بان يكون» شعبا سعيدا» ولكن وفق مقاييسه الثقافية والمادية والطبيعية الخاصة به .
لا اشك في وجود تونسي واحد لا يريد ان يكون فردا من شعب سعيد خاصة وان مبادرة سياسية اتت في الفترة الاخيرة تحت عنوان كبير وهو» تحسين حياة التونسيين الى الافضل».
ولكن هل يمكن ان يحدث تغيير جذري في حياة التونسيين دون التفكير العميق في اسباب بؤسهم ?
المتابع الجيد لاحتجاجات التونسيين بعد انتفاضتهم الشعبية سوف يلاحظ بيسر انهم كانو في اغلب الاحيان يطالبون بشيئين اساسيين وهما اولا العمل الائق وثانيا ازالة التلوث من محيط عيشهم وهما امران في الحقيقة مرتبطان اشد الارتباط في عصر سمته الاساسية ان العمل اصبح وللاسف هو السبب الاول لتدني نوعية حياة المواطنين :
وافضل مثال على ذلك هو مدينة قابس حيث يتوفر العمل بغزارة لانتصاب وحدات صناعية كثيرة بالجهة ولكن ورغم ذلك فان المواطنين يحتجون وباستمرار وبشكل يكاد يكون يوميا لتدني نوعية الهواء والماء والتربة والامراض التي تفشت نتيجة التلوث وحرمانهم من شاطئهم الوحيد والفريد في المتوسط وذلك رغم ان الجهة كانت مؤهلة لنوعية مستدامة من الاستثمار نظرا لوفرة وتنوع مكوناتها الطبيعية.
وانا اكتب هذه السطور نشرت مجموعة من جمعيات المجتمع المدني على اعمدة هذه الصحيفة رسالة موجهة الى السيدة رئيسة الحكومة تطالبها بوضوح بالعمل الجاد لوقف نزيف التلوث الحاد الذي اصبح مهددا جديا لصحة التونسيين في اشارة واضحة اخرى على ما اصبح ما يوليه كابوس التلوث من اهتمام في المدة الاخيرة .
التلوث الذي اصبح مصدر ازعاج كبير لجل المواطنين ليس وللاسف المظهر الوحيد لتدني مستوى عيشهم حيث توجد منغصات اخرى بدات اثارها المدمرة تظهر في كل مكان في العالم واهمها التغيرات المناخية والتي تخصص لها الامم المتحدة ومنذ اكثر من ربع قرن لقاءا سنويا يجمع ممثلي كل دول العالم ويعقد في احد القارات بالتناوب .
من لم يشعر في العشرية الاخيرة على الاقل بارتفاع ملحوظ لدرجات الحرارة في بلادنا ( هذا الصيف مثلا) ولو قامت احصائية لعدد مكيفات الهواء التي تم تركبزها في المساكن الخاصة في السنوات الاخيرة في تونس ومقارنتها بالاعداد قبل عشرين سنة مثلا لفهمنا حجم المشكلة.كما ان نقص الامطار وعدم انتظامها اصبح واقعا يدل عليه بوضوح انخفاض منسوب المياه في السدود واذا عرفنا ان الماء هو الحياة وان مناطق شاسعة مرشحة وحسب تقديرات العلماء لان تكون لا قدرالله قاحلة وغير صالحة للعيش لكم ان تتصوروا شكل العذاب الذي ينتظرنا اذا لم نول هذا الموضوع ما يستحق من العناية.
هناك تاثير خطير اخر يتهددنا وهو تاكل السواحل نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحار في العالم كنتيجة للذوبان المتسارع لجليد قارة القطب الجنوبي واذا عرفنا ان جل نشاطنا الاقتصادي متمركز على ساحل البحر لكم ان تتخيلو حجم الخسائر التي ستنجر اذا لم نكن واعين بالاخطار الداهمة.
في العالم لا احد يستطيع ان ينسى ضراوة حرائق الغابات في الجزائروامتدادها الغيرالمسبوق جغرافيا هذه الصائفة والاهوال والخسائر التي خلفتها ولا احد كان يتصور ان يموت في بلد مثل المانيا قرابة مئتي مواطن في يوم واحد بعد فيضانات عنيفة وفي عز فصل الصيف.
ما حدث في المانيا وايضا في بلجيكيا هذه الصائفة شكل صدمة عنيفة اذ كانت اوروبا تظن انها بمنئى نسبي عن التاثيرات الخطيرة للتغيرات المناخية ولكن جاءت الاحداث لتبين ان كل بلد معني .
ما اكتبه بعيد في عن الاولويات العاجلة التي شغلت بال الحكومات السابقة وربما الحالية مثل عجز ميزانية الدولة وايقاف نزيف المديونية وعجز الميزان التجاري انه ببساطة اعمق من الاستحقاقات العاجلة والكلاسيكية :هو اقرب الى محاولة استشراف او تصور نموذج حياة جديد للتونسيون قائم على فهم عميق لمعطيات العصر الذي نعيشه والتي من اهمها التلوث العارم والخطر القادم للتغيرات المناخية وايضا طبيعة العمل الميكانيكية والمملة والتي «قتلت « روح الابتكاروالاجتهاد عند العامل وايضا مدى ارتباط هذه المنغصات مع انماط العمل والاستثمار التي تبنتها الدولة التونسية منذ الاستقلال .
اننا نفخر في تونس اننا ومنذ من اكثر من عشر سنوات نعيش في مناخ حر نستطيع فيه ان نعبر عن اراءنا بكل حرية وان نختار حكامنا ولكن القارئ الجيد لتطلعات التونسيين يدرك بوضوح انهم يطمحون ايضا الى العمل الائق والعيش في بيئة نقية ولتحقيق هذين المطلبين يجب ان نكون واعين بان السياسة الاقتصادية الليبيرالية المعولمة والقائمة على الحرية التامة للاستثماروالتي تعطي الاولوية للانتاج الاوفرولتنمية ثروة صاحب العمل هي السبب الاول للسلبيات التي اسلفت ذكرها و هي التي خلفت الاثار السيئة على نوعية حياة الناس .
وهذا لايعني ان الاشتراكية هي الحل بل اني ارى انه من الحكمة اولا ان يكون من يسطرون السياسات الكبرى لبلادنا على علم ووعي تام بمدى جدية التهديدات التي اسلفت ذكرها وثانيا بداية اعطاء دفع جدي وقوي لنوع جديد من انماط العمل والانتاج سمتها الاساسية الاستدامة والمحلية وتلبية الحاجيات الاساسية للمواطن قبل كل شيء.
قد يكون قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الجديد المدخل الاول والجيد الى هذه الفلسفة الاقتصادية البديلة التي في اطارها نستطيع اعادة الاعتبار الى الضيعة العائلية الصغيرة (اقل من ثلاثة هكتارات ) ذات الانتاج المندمج يعني ان لا تقتصر علي الانتاج الفلاحي البيولوجي بل تتجاوزه الى انتاج طاقتها المتجددة وايضا تحوي اقامة سياحية صغيرة .
لماذا لا تقع تجارب نموذجية في الشمال والوسط والجنوب التونسي تقوم بمقتضاها الدولة بكراء جزء من اراضي الدولة الى بعض من شباب تلك المناطق وفق عقود واضحة للاستغلال لمدة معينة ثم يقع تقييم النتائج وذلك بدل كراء اراضي شاسعة الى شخص واحد يقوم ب»تحويل»عشرات من شباب منطقة معينة الى مجرد عمال موسميين ?
لماذا لا يقع اعادة الاعتبارالى التكوين الحرفي عبر احداث مدارس اعدادية حرفية مندمجة بالتوازي مع المدارس الاعدادية الكلاسيكية وهكذا يقع استيعاب جل التلاميذ وحمايتهم من ويلات الانقطاع المبكر عن الدراسة وتهيئتهم الجيدة في نفس الوقت الى مجال العمل .
لماذا لا نفكر في مشاريع صغيرة لانتاج الطاقات المتجددة يكون الشباب العاطل عن العمل روادها سواء بالانتاج او بالتعهد والصيانة او التصور (الابتكار ) .
لماذا لا نعمل على الاستفادة القصوى من اجل الانتقال الطاقي من قبل الدول المانحة وفق مقررات اتفاقية باريس وذلك بالحضور المتميز قي قمم المناخ السنوية عبراقتراح برامج جدية ومبتكرة او التفكير في استضافة احدى هذه القمم في السنوات المقبلة .
ان مثل هذه الافكار وغيرها هي اليوم محل جدل عالمي وتشكل برامج انتخابية لمرشحين بارزين لانتخابات رئاسية و برلمانية و بلدية في دول عظمى مثل جون لوك ميلونشون في فرنسا او جو بايدون في الولايات المتحدة الامريكية حيث ادرج التغيرات المناخية وما يجب فعله احدى خمس نقاط كبرى في برنامجه الانتخابي .
فهل ترى هذه الافكار جدلا وحوارا جديين حولها قريبا في بلادنا ?
حكومة جديدة وحلم الشعب السعيد
- بقلم نبيل بن ابراهم
- 10:52 01/11/2021
- 4185 عدد المشاهدات
تفتتح اليوم بمدينة غلاسكو بالمملكة المتحدة اشغال قمة المناخ السادسة والعشرون و التي ستناقش عمليا مستقبل الحياة على كوكب الارض