رائد بيئي آخر يترجل ...

المرء حديث بعده..
وفاء لمن علمونا الوفاء..
على الأرض ما يستحق الحياة..وفي ذاكرتنا أحياء يحتضنهم ثرى الخضراء..

في مسيرة روادنا ومعلمينا البيئيين،ومنهم الراحل علي مطيمط، ما يستحق الفخر والاحتفاء..
وفي آثار روادنا البيئيين نفائس جديرة بالتأمل والاعتبار..
شاءت الأقدار أن يجمع نفس فضاء المكتبة الوطنية، لقاءي توديع هرمين للنضال البيئي، المغفور لهما بفضل الله علي الغربي وعلي مطيمط..
قاسم مشترك بينهما، عقود من عمرهما، افنياه عطاء للوطن للمجتمع وللإنسانية، إثراء للذاكرة، وصونا للمخزون الإيكولوجي والتاريخي..
قبل ستة شهور ودعنا هرما ثقافيا وإيكولوجيا،وهوفقيد الساحة الثقافية إبن مدينة جرجيس من مدرسي الجامعة التونسية و تتلمذت على يديه أجيال من الطلبة الذين استفادوا من علمه وخبرته الميدانية.
فقدت الساحة النقابية والسياسية أحد مناضليها البارزين في شخص الرفيق علي مطيمط الذي وافته المنية يوم أمس .
لقد انخرط وناضل الفقيد، أصيل مدينة جرجيس، منذ شبابه وهو طالب بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، في صفوف الاتحاد العام لطلبة تونس . وعند عودته إلى تونس، عمل كباحث في المتحف الوطني بباردو ثم بالمعهد الوطني للتراث حيث كان من مؤسسي نقابته الأساسية بعد أن شارك في تأسيس النقابة الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل.
كما شارك بصفة فعالة في تنظيم حملة التضامن مع القيادة الشرعية للاتحاد العام التونسي للشغل إثر الزج بها في السجن في 26 جانفي 1978 إلى أن تم الإفراج عن كامل أعضائها سنة 1981.
وقد كان رحمه الله مناضلا تقدميا عمل مؤمنا بقيم العدالة والديمقراطية
والمتتبع لمسيرة مطيمط يعي متانة الارتباط القيمي بين المناضل اليساري والفاعل البيئي، والمثابر في حفظ الذاكرة، وتحصين الموروث، وتأمين موارد الحياة والتنمية المتجددة للأجيال.
هل توفي شهادات فريعة وقراقب السالمي القزغلي وحيدر المسعودي ومطيمط وبلحاج علي.. لإعادة رسم سيرة رجل نذر جل مساره لحماية الموروثين الطبيعي والأاثري.. وتأمين راس مال يضمن ديمومة الحياة للأجيال.
عقله الرحيب، وأفقه الممتد في مسيرته المتعددة الملامح، يشير إلى أن اليسار صديق للبيئة، والعمل لوقف تغول الأنا الفرداني وجشع اللامبالين بحقوق الشعوب ، وتكريس العدالة الاجتماعية والبيئية..
قيم راقية ومبادىء سامية، آمن بها الجامعي الباحث والمفكر اليساري والتقدمي الذي أعطى بلا كلل، وتحرك بجد صلب الجمعية التونسية لحماية الطبيعة والبيئة، ، وأعطى من وقته وجهده وأنجز الكثير في حقول التوعية والتحسيس والتثقيف البيئي.
المرحــوم كان من بين المناضليــن الأوائل في مجال حماية المحيط والبيئة بصفته من أكثر الأعضاء نشاطا صلب الهيئة المديرة للجمعية التونسية لحماية المحيط والبيئة التي كان لها دور فعال في التحسيس بأهمية هذا القطاع قبل أن يصبح من األولويات على الساحتين الوطنية والعالمية.
لمحات وأبعاد ومناح عددها منذر بالحاج علي، لاسيما في سياق العمل الطلابي واليساري في فرنسا وتونس، وتقدير الأوساط السياسية التي كانت تتجه لتكليفه ببلدية ستراسبورغ غير أنه آثر صالح بلده وانحاز لوطنه.
فكر كونيا وانتصر لقضايا الإنسانية، ولكنه كان وفيا لأهله حانيا على أسرته، سعاد، ناظم (حكمت) نادية..وجيل يستعيد مآثره في متحف باردو، حيث قد تخصص قاعة أسسها بنفسه، لتحمل اسمه..ودراسات، وأعمال، ونشريات، بينها مدونة جذاذات علمية وتعريفية قيمة جدا عن البيئة مع الاتحاد الدولي لصون الطبيعة.
قبل التطرق لهــذا الجانب العام من اهتمام المرحوم اختار شقيقه الدكتور عمر مطيمط التركيز على أهمية المحيط والبيئة على حياة المواطنين والناشــئة وذلك أن مع تطور عدد الســكان وإكتســاح المدن الأراضي الفلاحية المجاورة بدأت ظواهر التدهور منذ السبعينات للمحيط الطبيعي التونســي وخاصة في البيئات الجافة في الجنوب والوسط، إذ أن تونس تمتازبنظام طبيعي متوسطي ومتأثر بالصحراء. فكيف يمكن لنا العناية والمحافظة على مواردنا الطبيعية الهشــة وعناصرهاالمختلفة؟أعددت عديد المخططات المتتالية للتنميــة االقتصاديةواالجتماعية منذ الستينات وكانت نتائجها مجدية ومثرية وكونت مواهب وكفاءات تونسيةفي ميادين مختلفة ومع ذلك وجدت مظاهر ســلبية يجب أن يشــعر بها أصحاب القرار اآلتي ذكرهم:-اللجنةالوطنية للمحيط التي تأسست (1978) - الوكالة الوطنية لحماية المحيط التي تأسست (1988) - الجمعية التونســية لحماية المحيط والبيئة وهي من أعــرق الجمعيات التي تأسست (1971.) ATPNE وتهتم هذه الهياكل برســم الخطوط الكبرى لحماية المحيط التونسي من تأثر األنشــطةالصناعيةواالقتصادية التي تهدد سالمة وصحة المواطن، و كذلك القيام بالبرامج و المشــاريع المختلفة في التهيئة الترابية العامة و نذكر في سبيل الذكر و ليس الحصر أن ســنة 2000 توجد 120 جمعية بيئية بالبالد التونسية.و من أهم برامــج و هداف تلك الهياكل: معرفة البيئات المحلية معرفة علمية دقيقة و كاملة – حذق المنهجيات و الوســائل التكنولوجية الحديثة لتركيز المشاريع االقتصادية و الصناعية و التخلص من التلوث الصناعــي و حماية الموارد الطبيعية من التدهور )تصحر،إنجراف،تقلص الغطاء النباتي والغابات،وخاصةالاكتساح العمراني حول المدن الكبرى تونس، صفاقس، قابس،بنزرت، و على سبيل المثال واحة قابس كانت تمسح 900 هك في السبعينات أصبحت اآلن تمسح حوالي 600 هك( وكان المرحوم علي مطيمط له دور فعال سواء على نطاق الجمعيات ATPNE أو مســاهمته في التربية البيئية وذلك من خالل وضع أســاليب و مناهج للتدريس البيئــي مع الوكالة الوطنيــة لحماية المحيطANPE ،وفي فتــرة الثمانينات كنت ممثالا لخلية ATPNE بقابس والجنوب التونســي وكذلك للجمعية التونسية لعلوم التربــة ATSS و قد كانت لنا زيارات ميدانية في إطار العمل الجمعياتي و كذلك في إطار الجوالتاالســتطالعيةلطلبةالمعهد العالي للدراسات السياحية بسيدي ظريف بالمنطقة الصناعية الملوثة و كذلك الوســط الطبيعي لمنطقة مطماطة وصوال الى منطقة قصر الحدادة و غمراســن و تطاوين مع متابعة نظام الجســور في التهيئة المائية بهذه الهضاب مع صحبة المرحــوم رئيس الجمعية محمد على العبروقي و السيد جميل حيدر، وفي هذا يبقى مشكل سالمة المحيط الطبيعي و المحافظة على المــوارد مطروحا مع كل األجيال فمثل ما قال أحد العلماء » فالفوضى ليســت في الطبيعة ولكنها في أنفســنا وعقولنا التي مازالت ضعيفة لندرك كل أسرار الكون و النظام الطبيعي« ، ولدى معاملتنا مع المحيط و اختالل التوازن بين االنسان وبيئته الطبيعية (mort la ou utopie’L-Dumont René écologiste Agronome.) وفي هذا السياق أذكر بمؤســس الجمعية التونسية لحماية المحيط)ATPNE) المرحوم:زكريا بن مصطفى والمرحوم علي الحيلي مؤسس )جمعية أحباء الطيور( ّة( ولقد كانت للمرحوم و المرحوم علي الغربي مؤسس )جمعية حماية الحياة البرية ّ علي مطيمط علاقات أخوة و تعاون جمعياتي. يحيي عمر مطيمط المناضل البيئي عبد الستار المهدي نائب رئيس ATPNE.
وصاحب همسة التكريم، عمر مطيمط شقيق الفقيد، رائد في مجال البيئة والموارد الطبيعية وخاصة علم التربة، أطلس الأراضي التونسية  Atlas des sols tunisiens)‏ هو أطلس خرائط ترابية يخص أراضي تونس. نشر في 1999، ويعتبر أول دراسة تصنيفية للأراضي التونسية ذات الهيمنة المتوسطية والصحراوية.
أول خريطة ترابية في تونس أنجزت من قبل أندريه فورنيه سنة 1957 وتخص شمال البلاد. في 1973، نشرت إدارة الأراضي بوزارة الفلاحة التونسية أول خريطة للأراضي بمقياس 1/500000 لكامل البلاد، وذلك بهدف تسليط الضوء على طبيعتها ودرجة آفاقها ومميزاتها الزراعية.
 يعتبر أطلس الأراضي التونسية الأول من نوعه لتونس، ويمثل المرحلة الثالثة لوضع أداة تشخيصية لاستصلاح الأراضي.
وللتذكير تتكون تونس من 5 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية، و30% من الأراضي التونسية غير قابلة للزراعة (جبال، عرق، سباخ، شطوط، بحيرات مالحة ومناطق حضرية). وشاركت تونس في مؤتمر كوبنهاغن للتغيرات المناخية 2009 ومصادقتها على اتفاقية كوبنهاغن يلزمها بوضع خطط إعادة تشجير وبرامج تثمين النفايات. وعلى هذا النحو، يوفر هذا الأطلس قاعدة بيانات وصفية وتحليلية تمكن من تقييم معلومات غطاء التربة وفقا لنظم إيكولوجية ومناخية بيولوجية مختلفة.
وعمر مطيمط، الذي قدم شهادة مؤثرة في الجانب البيئي من مسيرة شقيقه علي، هو مهندس تربة لدى مكتب البحوث العلمية والتقنية لما وراء البحار القديم (حاليا معهد البحوث من أجل التنمية في فرنسا)، متحصل على الدكتوراه من جامعة بيير وماري كوري (باريس، شغل عدة مناصب في وزارة الفلاحة التونسية. هو رئيس الجمعية التونسية لعلوم التربة.
ولاستعادة لحظات الاحتفاء بالفقيد، في أربعينيته، احتضنت قاعة الطاهر الحداد  بالمكتبة الوطنية  يوم السبت 03 أفريل 2021 موكبا لتكريم روح الفقيد علي مطيمط الباحث والأستاذ والمناضل الذي توفي يوم 26 سبتمبر 2020 ونظرا للظروف الوبائية الحرجة السائدة في الأشهر الأخيرة لم يتسن تنظيم أربعينية الراحل في وقتها. وقد تداول على أخذ الكلمة في هذه المناسبة عدد من أفراد عائلته وزملائه وأصدقائه ورفاقه في الحقلين السياسي والنقابي. وكان حبيب القزدغلي  ألأستاذ الجامعي والعميد السبق لكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة من بين الذين ألقوا كلمة في هذا الموكب جاء فيها:
جدد الجامعي في نص نشره على أعمدة «ليدرز» عبارات التعزية والمواساة  لعائلة علي مطيمط  القريبة ولنا جميعا أعضاء عائلته الموسعة السياسية والجامعية. وإذ أجدد تثميني لكل ما جاء في كلمة  التأبين الصادقة التي جاءت على لسان الأستاذ أحمد فريعة - قبل أن يوارى جسم فقيدنا التراب يوم 26 سبتمبر 2020 -  فاني أريد مواصلة اثراء ما جاء في تلك الكلمة البليغة  ببعض العناصر التي ساهمت في نحت شخصية فقيدنا وجعلت منه مثالا للمثقف الوطني الملتزم في أداء واجبه العلمي والمساهم في حل قضايا وطنه من موقعه الخاص طيلة أكثر من نصف قرن.
إن ما سأذكره  هنا هو وليد ما خلد وخمر في ذهني من خلال لقاءاتي القليلة بفقيدنا ولكن رغم قلتها فأنها كانت ثرية في اهميتها وفي سمو معانيها. 
كانت قليلة رغم أنه جمعنا  الانخراط في الحزب الشيوعي التونسي (لكننا لم نكن من نفس الجيل ثم إن وقوع  خلافات قد حدت من امكانيات تكاثر اللقاءات) ورغم وحدة الانتماء الأكاديمي في الاهتمام بالماضي (ولكنه كما هو معلوم قد اهتم ببدايات الانسان على الأرض في حين أن اختصاصي تركز على الحقبات من الماضي القريبة منا وحتى الراهنة). كما سأستند ايضا فيما سأذكره إلى ما تفضل به من شهادات ومعلومات مكناني منها كل من الرفيق هشام سكيك الحاضر معنا اليوم و الرفيق  رشيد مشارك الذي كان من المبرمج أن يكون معنا في هذا التكريم  لكن صادف أن تمت دعوته اليوم وفي نفس التوقيت لإجراء التلقيح ضد الكورونا وقد شجعته على القيام بذلك الواجب الصحي وتعهدت بموافاتكم بالبعض من الذكريات التي جمعت رشيد مشارك بعلي مطيمط حيث ارسلها اليّ مكتوبة البارحة.
أولى تلك المعلومات هي أن الفقيد كان من السابقين الى الانتماء الى الحزب الشيوعي التونسي ولكن لم أتمكن من التعرف الى الآن هل أن  ذلك حصل خلال السنة التي قضاها في فرنسا لدراسة الطب أم أن الأمر قد تم في تونس اثر رجوعه لدراسة التاريخ بالجامعة التونسية.
المهم أنه  يتأكد من خلال شهادة رشيد مشارك أن علي مطيمط هو الذي كان وراء انخراط كلا من المرحوم أحمد ابراهيم ورشيد مشارك في العمل السياسي  وانضمامهما الى صفوف الحزب الشيوعي التونسي وكان ذلك في بداية السنة الجامعية 1967-1966 بعد اجتماعات عديدة كانت تتم بمنزله بساحة العملة.
وما يتبين أيضا من شهادة رشيد مشارك أنه كان لشخصية  علي مطيمط - وما عرف به من استقامة تجلب الاحترام ومن رفعة النفس والشهامة وحسن السلوك ودماثة الأخلاق- تأثير قوي في قبول الدعوة في الانضمام الى الحزب الشيوعي التونسي حيث يضيف رشيد « كنت اشعر آنذاك بان ذلك امر طبيعي ولم اكن ارى اي مانع في ذلك وانأ اعيش مرحلة البحث عن القيم المطلقة التي تستبد بفكر الشباب.»  كما يذكر رشيد أنه لم ينتظم في نفس الخلية مع علي ولكنه  يضيف: بحكم انهما  «أولاد بلاد «  اضافة الى ان الشقة التي كان يسكنها تقع مباشرة قبالة الفرع التابع لكلية العلوم ببطحاء العملة حيث كان رشيد يدرس الرياضيات  فانه  التقى  به عديد المرات في  لقاءات عابرة ولكنها ثرية  تم فيها  تبادل  وجهات النظر حول المستجدات، مثل استقالة احمد المستيري من وزارة الدفاع في جانفي 68 احتجاجا على تعميم التعاضد وكان يرى فيها مبادرة «يمينية التوجه لعرقلة التجربة التقدمية القائم عليها احمد بن صالح آنذاك وكنت اشاطره الرأي تماما».  لكن الى جانب مشاطرة الرأي يحدث أن تقع خلافات بين الرفاق المنخرطين في نفس الحزب حيث يذكر رشيد « عرفت من خلال المعلومات التي كنا  نتداولها في اوساط الشيوعيين ان علي مطيمط كان من ضمن مجموعة الأساتذة الجامعيين مثل توفيق بكار وصالح القرمادي والحبيب عطية و نور الدين بوعروج الذين كان لهم تحفظات على سياسة الحزب واعتبروها خاطئة في تعاملها مع سياسة التعاضد التي رأوا فيها توجها تقدميا يستحق دعما قويا وواضحا دون أي تحفظ، في حين أن الموقف الرسمي  للحزب قام على «المساندة النقدية» للتجربة، وهو ما مثل أحدى نقاط الخلاف التي تواصلت سنوات عديدة محدثة  بعض الجفوة بين الرفاق.
لم أعش شخصيا  مرحلة الخلافات نظرا لسنيّ وقد وصلتني أصداء تلك الخلافات وتداعياتها لما قبلت بدوري الانخراط في الحزب الشيوعي في اواسط سبعينات القرن الماضي لكن من حسن حظي أنني عشت محطة هامة في حياتي النضالية أعتز بها ايما اعتزاز تمثلت في مشاركتي في محاولة راب الصدع عبر حوار من أجل تقريب وجهات النظر بين أفراد الفريقين. فقد شاءت الصدف أن أكون في المجموعة التي ضمت، في ستتي 1979 - 1980، خمسة رفاق من الفريقين كان من بينهم علي مطيمط  وهم: المرحوم  صالح القرمادي والمرحوم صالح الحاجي والمرحوم علي مطيمط وهشام سكيك  والمتحدث اليكم» . كانت اجتماعاتنا تتم بالتداول بين مقر السكن الوظيفي لعلي في متحف باردو وفي منزل الرفيق صالح القرمادي في سيدي بوسعيد وفي شارع فرحات حشاد بالعاصمة (منزل المرحوم صالح الحاجي). وما أحتفظ به من تلك اللقاءات هي  تلك الرغبة الصادقة في البحث عن نقاط الالتقاء. و ليس المجال هنا للتفصيل في مآلات تلك اللقاءات ولكن يمكن القول أنه منذ ذلك الزمن (اربعون سنة)  أصبحت أعرف علي مطيمط وأتحادث معه كل ما سمحت بذلك الفرص السياسية والنقابية، وخاصة عندما درّس معنا في كلية  الاداب بمنوبة مادة اختصاصه، علم «ما قبل التاريخ»، في السنوات الخمس الأخيرة قبل أن يحال على شرف المهنة.
وستتجدد اللقاءات وستتكثف بعد الثورة، بفضل الآفاق الرحبة التي فتحتها للمساهمة في العمل السياسي  حيث يذكر الرفيق رشيد « أن آخر مرة التقيته فيها كانت بعد الثورة في أواخر جانفي 2011 اثناء تجمع عام نظمته حركة التجديد  في قصر المؤتمرات لدعم حكومة محمد الغنوشي الأولى، وقد بدأت تشتد عليها معاول التخريب ويؤكد رشيد» أن على مطيمط  كان متحمسا شديد الحماس لمشاركة احمد ابراهيم في حكومة الوحدة الوطنية  وعبر عن مساندته التامة لهذا الموقف الوطني».
ما يمكن الاحتفاظ به من خلال هذه المسيرة  الطويلة أن علي مطيمط  كان حريصا  على التوفيق  بين النشاط الأكاديمي في الجامعة وبين الالتزام بالقضايا الوطنية  وكان له  اسلوبه الخاص في الابتعاد عن التشنج وتوخي الاقناع، سواء مع رفاقه أو مع من كان يتعامل معهم في اطار العمل أو في النقابة. يقول الرفيق مشارك « لم يفارقني ابدا الشعور بأنني مدين لرفيقي وصديقي علي مطيمط  في انني قد  احسنت الاختيار عند ما قبلت دعوته بالمشاركة في الحياة العامة عبر الانخراط في الحزب الشيوعي التونسي».
وعلى مطيمط ، الى جانب كونه قد ساهم مع رفاقه في فترة الحظر التي تواصلت 18 سنة  في الابقاء على جذوة الحزب الشيوعي جذابة لا تنطفئ، كان مثالا للمناضل الرصين الذي يتعامل مع رفاقه بغاية الاحترام والذي اقتنع دوما أن العمل الحزبي يجب أن يكون مرتبطا بالمستقبل الديمقراطي لبلادنا. وباستقطاب رشيد مشارك  واحمد ابراهيم كان علي مطيمط  قد قدم للحزب الشيوعي التونسي وللعمل العمومي  خدمة جليلة وإضافة فكرية واجتهادية ونضالية معتبرة « . في الختام وبحكم معاشرتي لعقود طويلة لهؤلاء الرفاق الأعزاء اثمن هذه الملاحظة و أؤكدها بدوري. وهو ما سعيت باقتناع  لتجسيده  عبر وضع  صورة علي مطيمط في احدى اللوحات التي تضمنها المعرض الوثائقي الذي أقمناه في الأسبوع الماضي في مدينة الثقافة   بمناسبة احياء مئوية النشاط الشيوعي بالبلاد التونسية (والتي تفضلت نادرة ابنة الفقيد  بإدراجها  في الكتيب التذكاري الذي وزع عليكم) وذلك باعتباره أحد رجالات ذلك القرن. 
تحية لروح علي مطيمط الذي ستحتفظ ذاكرة كل من عرفوه ، دائما ضمن نص القزدغلي، بجليل خصاله  وتحية لروح أحمد ابراهيم الذي سنحيي بعد ايام قليلة الذكرى الخامسة  لوفاته كما أنه لا يمكنني أن أنسى مرور هذه الأيام للذكرى الثالثة لوفاة الرفيق صالح الزغيدي. لأرواحهما   السلام والرحمة..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115