مؤخرا تحركت جمعية(الكوميتة) لتغيير ما ران على واقع المنيهلة من مظاهر تلوث، وتزايد لنقاط سوداء، وتعثر جهود الإصلاح وإزالة المضرة البيئية وتجاوز الحالة القاسية التي تعاني منها أحياء المنطقة.
يحدث أن نرجو زوال التلوث فلا نصنع لذلك شيئا، ولا تصدق الحركة النوايا,,فلا يتغير شيء
يحصل أن نعاين مظاهر الفوضى وانفلات السلوك الفردي والجماعي المستهتر بالبيئة وبالمقدرات البيئية المشتركة، فنتأفف، ونشيح بوجوهنا، ولا يصلح الحال
يحدث كثيرا أن نرى حضائر بناء فوضوي، ومواطنين صالحين، يلقون نفاياتهم في كل مكان، وشخصيات بارزة في المجتمع، ترمي قاذوراتها من شبابيك سياراتها الفارهة فلا نلتفت ولا نطلب اعتذارا
في كل يوم تتكرر مظاهر الاعتداء على حقنا في البيئة السليمة، بانتصاب عشوائي، ببنايات غير نظيفة ولا مطلية، و ببصاق، وقطع لأشجار و... حتى بضجيج متعمد من أصحاب سيارات، ومقذوفات لفظية خادشة للذوق وللخلق، ولا ندرك مدى خسارتنا..
يجد في محيطنا المباشر في كل يوم ألف اعتداء على البيئة لا تطاله فرق الشرطة البيئي وأعوان المراقبة بوكالة المحيط، التي لا يحيط عددها المحدود بكل زوايا المجتمع وأركانه..
إننا ندعي صباح مساء التحضر والذوق، ونطالب البلدية والدولة معا ببذل كل الجهد لتلبية مطالبنا، غير أننا، معشر المواطنين، نهوى التفرج، ونستلذ المتابعة من الربوة، ولا نحرك ساكنا في كل حالات المس من العمومي المشترك(البيليك) وكأنه استهداف لكوكب آخر، أولمكاسب قوم من قارة يقطنها هنود حمر..
إننا نحلم بمحيط عيش راق، ومدن راقية، وخدمات عالمية، ولا نبذل لذلك خطوة يتيمة..
لا نعبر عن مواقفنا، ولا نعلن رؤانا الحضارية إلا بدردشات هامشية وثرثرة في المقاهي، ولا نجسد إراداتنا المواطنية في جلسات المجلس واللجان البلدية وعبر أعمال الجمعيات الفاعلة ، إلا ما ندر..
ما زلنا نكتفي بالنقد والتفرج من الربوة في انتظار من يأتي ليعيد الاخضرار لساحاتنا، والجمال لمدائننا، و ليصنع مستقبلنا الزاهر
ما حك جلدك مثل ظفرك
في العالم تجارب حضارية وبيئية عالمية مبهرة فيها دروس تترجم عبقرية الشعوب وتكشف اسرار ترجمة إراداتها واقعا معيشا
في ألمانيا وسنغفورة وكوريا الجنوبية ورواندا قصص نموذجية مهمة تحكي فاعلية الضمير الجمعي، ومفعول الإرادة المشتركة حين تتجمع وفق رؤية محددة وقيادة متبصرة، ووعي راسخ بضرورة التحول لدور الفعل، والقطع مع اللاسلبية واللامبالاة والانتظار ومشتقاتها، إلى تحمل المسؤولية، بروح تشي بتحمل كل فرد مسؤولية الجميع، وشعور كل مواطن أنه معني بما يتحقق للمجتمع، وأنه مستهدف في كل تلوث أو اعتداء على أي ناحية من المرافق والممتلكات المشتركة وفي مقدمتها الثروات والمنظومات البيئية بعناصرها ومواردها..
متى يتغير الحال، فيضاهي التحرك من أجل حماية حديقة أو غابة أو مساحة عمومية، ما نراه من ماراطونات تحركات احتجاجية يومية من أجل مطالب مادية واجتماعية مشروعة
حين تتقارب درجات الحماس لمطالبنا الفردية والمادية الخاصة، واهتمامنا بدواخل بيوتنا ومستقبل أطفالنا، مع همنا المشترك وإحساسنا بما يخص محيطنا ومدينتنا ووطننا، حينها نغادر طور المجموعة المنفعلة القابلة لما يقرر لها، وما تستهدفه من اقدار التلوث والتدمير والتخريب وتقليص هوامش الحياة، ناهيك عن جوجتها، و نرقى لدرجة شعب جدير ببقعة تحت الشمس.
«يد الله مع الجماعة
حمل الجماعة ريش
يأكل الذئب من الغنم القاصية..»
حكمة وعتها الجمعيات والمنظمات وقوى العمل التطوعي من أجل البيئة من زمن، فنسجت شباك التواصل الجماعي والتعاون بشكل شبكات، وقوى ضغط محتشدة، وهيئات تنسق تحركات مبوبة عبر أشكال التواصل والتفاوض والمناصرة والضغط الجماعي في سبيل تغيير مواقف الساسة، وتعديل مواقف الحكام، وصناع القرار وأصحاب المصالح الكبرى..
في تونس، لم تشذ عديد الجمعيات البيئية وقادتها المناضلين عن سنة التحرك الجماعي، واعتماد التقنيات الاتصالية المناسبة للقضايا وطبيعة الظروف والمتجهات، حيث تنوعت المبادرات ومنها تحركات متواترة لتنسيقيات الجمعيات البيئية بصفاقس وقابس لرفع المضرة وإزالة مخلفات عقود التنمية غير المستدامة، والإنتاج الصناعي والتحويلي الذي دمرت مخلفاته البر والبحر والجو، وخلفت حالات بائسة أشبه ببقايا تسونامي، أو كوارث طبيعية قصوى، أو ما شابه سطح كوكب غير مأهول بالبشر..
وقد تحركت شبكة راج، للشباب البديل في مناسبات ومشاريع متعددة لا تقتصر على المسألة المناخية، واعتمدت عددا من تلك الأدوات والتقنيات، ووصلت حد المقاضاة لافتكاك بعض الحثوث ومنها المعلومة.
كما تشكلت تنسيقية حماية غابة رادس على أرضية هواجس جدية باحتمالات مد طريق سيارة قد تؤدي إلى محو ثلث غطائها الغابي، ومن ثم تهديد بقية المساحة الخضراء.
ويمثل نشاط التنسيقية الذي يستمر منذ أكثر من عام، نموذجا منهجيا لحراك المجتمع المدني بصيغة منظمة ووفق مسار مرحلي مدروس محدد الأهداف والمرجعية والأهداف والوسائل.
ولئن مكنت التحركات المنفذة من جلسات وندوات صحفية وورشات فنية تشاورية وتدخلات إعلامية واحتشاد ميداني بالمنتزه من تعديل في القرار السياسي ومسار المشروع، بناء على تعهد رسمي بضرورة احترام القوانين المعمول بها، وتطبيق مبدإ إلزامية إخضار المشروع لدراسة الانعكاس على المحيط، فإن بعض الإشكاليات التي تحدق بسلامة البيئة ما تزال قائمة من جراء برمجة مشاريع تمر حتما عبر قطع مساحات من الأشجار، مما تطلب تكييف التحركات وإعادة تبويبها وتصويبها وفق المستجدات والمعطيات الجديدة
وتحركت جمعيات متعددة بينها الجامعة التونسية للبيئة والتنمية قصد تفعيل الهيئة الدستورية للتنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة التي أحيلت مؤخرا على أنظار البرلمان.
في محيط البلديات والمناطق المعنية ببعض الإشكاليات البيئية كالحوض المنجمي وقابس وصفاقس تتنوع أشكال العمل المدني لإبلاغ صوت المتساكنين واقتراح الحلول والبدائل والدفع لتبنيها بالطرق المشروعة والدستورية
وما عاد في وارد العلاقة الثنائية أن تضيق صدور المسؤولين محليا ومركزيا من «شكاية» مواطنين ضاق بهم الحال، وبلغ السيل الزبى
كما يملك المجتمع المدني المتطور اليوم ما يكفي من وسائل تعبير وحشد ومرافعة ومناصرة وما يخول لمكوناته أن تجمع الحناجر والسواعد بصيغ حضارية حتى ي»قوللهم» شواغله واختلاجاته ومطالبه المتأكدة والحارقة..
في المجال متسع لتلاق بناء ومثمر، بأساليب نضالية لا تفسد للود، وللعمل المدني والإداري المتناغم قضية..
في زمن الشفافية والحوكمة المفتوحة، تعمل مؤسسات الدولة ومنها الوزارة المعنية بالبيئة على مد الجسور للتواصل مع منظوريها، بينما تجتهد المنظمات والجمعيات على ترقية اشكال نضالها في سبيل إدراك الأهداف المشتركة من تطوير المؤشرات البيئية وتأمين حقوق الأفراد والمجموعات في البيئة السليمة.
فب مجابهة تغير المناخ، ايضا يكمن الحل أساسا في انضمام الجمعيات وتطوع الخبراء والناشطين البيئيين.
جمعية المواطنة والتنمية المستدامة اندرجت ضمن مبادرة إفريقية للتوعية والتحسيس بظاهرة تغير المناخ، واقامت قبيل قمة المناخ الأخيرة بالتعاون مع الجامعة وجمعيات شريكة في سوسة وتوزر والمهدية تظاهرات واياما إعلامية وحوارية حول الظاهرة وابعادها وصيغ مجابهتها..
الأمل يكمن في الشباب، والأفق المضيء يسكن عيون المتطوعين وبينهم فاطمة وحسيبة، فتاتان تونسيان تقودان مشاريع لترقية الوعي وتحسين ظروف اقتحام تونس مجتمعا ومؤسسات لعصر المصالحة المناخية وحسن الجوار مع البيئة والطبيعة..
في مجتمعات مثل تونس، ما زال الناس يعيشون على وقع اليومي، يرتهنون لمشاكل الرغيف والأمن والقوت اليومي والخلاص الفردي..بينما يضطلع جانب من النخبة بأعمال التخطيط والنقاش والمبادرات الواعدة بدفع القطار التنموي نحو الانتقال البيئي..
كم يلزم من مبادرة لجمعية المواطنة والبيئة، وندوة مائية لشبكة فايقين لبيئتنا، وتحرك لرابطة المواطنة والبيئة، ودورة تدريب الصحفيين حول لتغير المناخ كتلك لاتي نظمتها مؤخرا جمعية التغيرات المناخية والتنمية المستدامة، وفعل لتأطير اجتهاد الطلبة حول تغير المناخ؟
ما يزال جل التونسيين كسائر سكان العالم لا يعلمون ما يعني التحرك المناخي والعمل من أجل تغيير السلوك البيئي للدول وللأطراف المساهمة في التلوث والانخرام البيئي..
كثيرون، بمن فيهم جل السياسيين وصناع القرار العرب، لا يدركون من المسألة غير بعض العائدات العاجلة وفرص الدعم وما يمكن أن تثمر لهم على المدى القريب..
متى يكون لهم في هيئة التحضير العلمي لمؤتمرات تغير المناخ دور ومشاركة فاعلة؟
متى ينجح العرب في ترتيب بيتهم وتحضير مواقف موحدة ومنسقة لإحكام تصويب تدخلاتهم في المنتديات والمحافل البيئية والمناخية الدولية؟
يؤثر تغير المناخ حاليا على كل بلد في كل قارة. فهي تعطل الاقتصادات الوطنية وتؤثر على الأرواح وتكلف الناس والمجتمعات والبلدان غاليا اليوم وغدًا.
وتشمل معاناة الناس من التأثيرات الهامة لتغير المناخ، أنماط الطقس المتغيرة، وارتفاع مستوى سطح البحر، والأحداث الجوية الأكثر تطرفًا. وتعد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن الأنشطة البشرية السبب الرئيسي الذي يقود تغير المناخ والآخذ في الزيادة، حيث وصلت إلى أعلى مستوياتها في التاريخ. فبدون اتخاذ إجراءات بهذا الشأن/فمن المتوقع أن يرتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض في القرن الحادي والعشرين، حيث من المرجح أن يتجاوز 3 درجات مئوية هذا القرن، مع توقعات في أن تزداد حرارة بعض مناطق العالم. إن تغيير المناخ يؤثر على أكثر الناس فقرا وضعفا.
تتوفر الآن حلول قابلة للتطوير وذات كلفة معقولة لتمكين البلدان من الارتقاء إلى اقتصادات أنظف وأكثر مرونة. وتتسارع وتيرة التغيير مع تحول المزيد من الناس إلى الطاقة المتجددة ومجموعة من التدابير الأخرى التي من شأنها تقليل الانبعاثات وزيادة جهود التكيف.
لكن تغير المناخ هو تحد عالمي لا يحترم الحدود الوطنية. وتؤثر الانبعاثات على الأشخاص أينما تواجدوا. إنها قضية تتطلب حلولا بحاجة إلى التنسيق على المستوى الدولي وتتطلب تعاونا دوليا لمساعدة البلدان النامية على التحرك نحو اقتصاد منخفض الكربون.
وبين الإشكالات البيئية المباشرة المتصلة بإطار العيش كما في أحياء المنيهلة والانطلاقة والتضامن وسيدي حسين والكرم، مرجع نظر جمعية الكوميتة، وبين القضايا الكونية كتغير المناخ، يتسع مجال افعل والتفاعل والتكامل بين المتدخلين من هيئات وهياكل ومنظمات مجتمع مدني تتحرك، وتجد الجسور الممدودة وأرضية التعاون، كما في وزارة الشؤون المحلية والبيئة مع الإدارة العامة للنظافة والتراتيب، بغاية تشخيص إمكانيات العمل التشاركي لتجاوز الهنات وتغيير الواقع البيئي نحو الأفضل.