تضمن انخراط الأفراد والمجموعات في مسار التحكم في النفايات بكافة أصنافها، والمساهمة الفاعلة في إنجاح شتى المنظومات والبرامج الفرعية التي أقرت وترسم في هذا الصدد.
وفي ما يخص النفايات الصناعية والخاصة ، ووفق آدم يوسف، لم تتمكن تونس من معالجة نفاياتها الخطرة؛ الصناعية والإلكترونية والكيميائية والطبية وغيرها، بالشكل السليم المطابق للمعايير الدولية، وهو ما يعمّق الأزمتين البيئية والمجتمعية على حدّ السواء.
قسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة النفايات الى عدة انواع من حيث خطورتها وطبيعتها وهي «النفايات الحميدة اي مجموع المواد التي لا يشكل وجودها مشكلات بيئية خطيرة، ويسهل التخلص منها بطريقة آمنة بيئيًا والنفايات الخطرة وهي النفايات التي تشتمل مكوناتها على مركبات معدنية أوإشعاعية تؤدي إلى مشاكل بيئية خطيرة. وتتولد هذه النفايات الخطرة من المواد والمخلفات الصناعية والكيماوية، والمخلفات الزراعية والنفايات الصلبة اي النفايات المكونة من مواد معدنية أوزجاجية... تنتج عن النفايات المنزلية والصناعية والزراعية... وهي بحاجة إلى مئات السنين للتحلل، ويشكل تواجدها خطرًا بيئيًا كذلك النفايات السائلة اي المواد السائلة وتتكون من خلال استخدام المياه في العمليات الصناعية والزراعية المختلفة. ومنها الزيوت، ومياه الصرف الصحي وعادة ما تُلقى في المصبّات المائية في الأنهار أو في البحار والنفايات الغازية وهي عبارة عن الغازات أو الأبخرة الناتجة عن حلقات التصنيع، والتي تتصاعد في الهواء من خلال المداخن الخاصة بالمصانع. ومن تلك الغازات : أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت والأكسيدات النيتروجينية، والجسيمات الصلبة العالقة في الهواء كالأتربة وبعض ذرات المعادن المختلفة.
كل ذلك يضاعف من أهمية المجال، ويؤكد ضرورة تعزيز العناية بهذا التوجه حتى تحقيق الحد الأدنى من التحكم الأمثل في النفايات، لا فقط لأنه يشكل رهانا أساسيا لتأمين نظافة المحيط والتخلص من مصدر أساسي للإزعاج، وإنما لأنه دعامة لتنمية إقتصادية تعتمد التثمين والرسكلة، والنمط الدائري والأخضر المستدام.
يتجاوز الحجم السنوي للنفايات الخطرة في تونس 6 ملايين ونصف مليون طن، يجري التصرف فيها بطرق مختلفة وسط عجز الدولة عن معالجتها. ويتمّ التخلص من جزء منها في مصباتٍ مراقبة، أو عبر إلقائها عشوائياً في المحيط البيئي، أو برميها في البحر، وهو ما فاقم المشاكل البيئية وضاعف التهديدات على حياة المواطنين.
في تونس أحد عشر مصباً مراقباً تتصرف فيها ثلاث شركات خاصة، إذ تدير شركتان فقط عشرة مصبات، في حين لا تتوفر أرقام رسمية عن عدد المصبات العشوائية الموزعة على كامل مناطق البلاد بالقرب من المجمعات السكنية وفي المحيط البيئي وفي عمق الضواحي والأرياف التونسية، ولم تنجح الأجهزة المختصة التابعة للدولة في إغلاقها او إعادة تأهيلها على أسس علمية بحسب المعايير الدولية، بسبب ضعف الإمكانات المالية وانتشار المصبات وتعددها.
جرى منذ عام 2000 منح 196 رخصة للتصرف بالنفايات الخطرة منها 86 سارية المفعول، بينما انتهت صلاحية 20 رخصة تخص جمع ونقل النفايات نحو مركز التجميع «جرادو». وتبلغ التقديرات السنوية لحجم النفايات الخطرة، حسب تقرير محكمة المحاسبات، نحو 80 ألف طن من النفايات المدرجة في تصنيف المنظومات (إيكو زيت، والنفايات الكهربائية، والمراكم، والحاشدات المستعملة، والمبيدات التالفة، ونفايات الأنشطة الصحية، ونفايات الفينيل متعدد الكلور ب. س. ب) و300 ألف طن من نفايات الأنشطة البترولية، و212 ألف طن من نفايات الأنشطة الصناعية، و6 آلاف طن من نفايات الفوسفوجيبس (ينتج بشكل جانبي من دون استخدامه، خلال إنتاج الحمض الفوسفوري المستخدم في صناعة الأسمدة)، و2400 طن من النفايات الطبية يجري التخلص منها عن طريق مصالح البلدية كنفايات منزلية، وتظل كمية تفوق 2000 طن من هذه النفايات مجهولة المآل.
تقدر الإحصاءات الرسمية لمحكمة المحاسبات كمية النفايات الخطرة التي يجري إلقاؤها في المحيط البيئي بـ142 ألف طن سنوياً من دون اكتراث بتداعياتها البيئية أو بتكاليف إزالتها التي تقدّر بـ670 مليون دينار تونسي (232 مليوناً و581 ألف دولار أميركي) سنوياً. وتشير المعطيات إلى محدودية التصرف بالنفايات الخطرة بسبب ضعف نسبة التغطية للكمية القابلة للتجميع على المستوى الوطني، وبسبب عوائق تنظيمية تواجه مسالك التجميع إذ تختلف طبيعة النفايات الخطرة بحسب صنفها ودرجة خطورتها.
ولفت خبراء إلى وجود ثغرات تشريعية وتنظيمية، وعدم استكمال للنصوص القانونية يجعلها لا تتلاءم مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية. ودعوا إلى تعزيز الرقابة على مسالك التجميع وتوسيع تغطية القطاع الصحي بمنظومة التصرف في النفايات الصحية والحرص على استغلال مراكز المعالجة وتأمين المراقبة والمتابعة بالكفاءة المطلوبة من خلال إيجاد الصيغ الكفيلة بالتنسيق بين جميع المتدخلين لتأمين نجاح المراقبة. وذلك علاوة على ضرورة إحكام التصرف في النفايات الخطرة عبر اتباع معايير واضحة عند تأسيس منظومات التصرف في النفايات الخطرة بهدف زيادة نسب معالجتها.
وانتظمت في فترة سابقة احتجاجات المواطنين بسبب رمي أطنان من النفايات الخطرة في شواطئ قابس وصفاقس وعدة مناطق أخرى. ويشير أهالي قابس إلى أنّ أطناناً من الفوسفوجيبس رميت في البحر بالرغم من قرار الحكومة في 2017 بوقف ذلك.
ومعلوم أنّ مادة الفوسفوجيبس تعتبر مادة ثانوية تنجم عن عملية إنتاج الحمض الفوسفوري، وتحتوي على نسب من المعادن الثقيلة والحوامض وقد اعتمد المجمع الكيميائي التونسي على طريقة تكديسها بالقرب من مصانعه المتواجدة في كلّ من صفاقس والصخيرة وقفصة، وفي المقابل يجري سكبها في خليج قابس. وقد جرى بالنسبة لمصب الفوسفوجيبس بمنطقة تبرورة في صفاقس (تغطيته بطبقة ترابية وحزام عازل لمنع تسرب المياه الملوثة)، وسيتم بعد إغلاق مصب مصنع «السياب» اتخاذ الإجراء نفسه.
وتجدر الأإشارة إلى أنّ الحكومة أقرت برنامجاً للتأهيل البيئي في مناطق الإنتاج والتحويل، وقد أقرت في 2017 وقف رمي الفوسفوجيبس في البحر، وتبني خيار تأسيس وحدات صناعية جديدة تحترم المعايير الوطنية والدولية في السلامة البيئية وتكديس المادة بموقع يجري تحديده بعيداً عن التجمعات السكنية.
ويعتبر مراقبون أنّ ضعف الردع القضائي والعقوبات القانونية يتسبب في تفاقم الإلقاء العشوائي للنفايات الخطرة، وتواصل مخالفة الشركات والمؤسسات القوانين، لكنّ السلطات التونسية تعزو ذلك إلى ضعف إمكاناتها المالية والبشرية، ما يدفعها إلى إبرام تعاون وشراكة مع الاتحاد الأوروبي ودول غربية بهدف تعزيز إمكاناتها في المراقبة والسلامة واستدامة التصرف البيئي. ويبلغ عدد مراقبي السلامة البيئية في مجال التصرف في النفايات الخطرة 30 مراقباً، موزعين على 24 فريقاً لا يمكنهم تغطية كامل أراضي البلاد، خصوصاً الأماكن النائية، ذلك إنّ إحكام التصرف في النفايات الطبية، يمثل، ودائما وفق آدم يوسف، أحد المحاور الاستراتيجية ضمن خطة وزارة الصحة بمختلف مصالحها للحفاظ على السلامة والنهوض بالقطاع الصحي بالتنسيق مع مختلف الهياكل والوزارات المعنية باعتماد منهج الاستباق والوقاية والتوعية مع تبني أسلوب ردعي كلما اقتضت الضرورة. يضيف أنّ الوزارة تولي أهمية للوقاية من التعفنات المرتبطة بالعلاج والمساهمة في التحكم فيها، إذ بلغت نسبة انتشارها بالمؤسسات الاستشفائية العمومية والخاصة 7.2 في المائة. والحال أنّ كمية النفايات الطبية في تونس ككلّ تناهز 18 ألف طن في السنة، منها 8 آلاف طن في السنة تصنف نفايات خطرة.
في انتظار تنفيذ عملي لأول مشروع متكامل لمحطة تثمين،لا دفن، للنفايات، في جربة، او تونس الكبرى ، أو خارجهما، يبقى الأمل أن تنجح البلاد في رسكلة نفاياتها التي يغلب عليها المواد العضوية.
يشكل التغيير الجديد على رأس المؤسسة المعنية بالتصرف في النفايات ينطوي على إمكانية تحريك المجال ودفعه نحو آفاق جديدة.