سيارات صديقة للبيئة ..طاقة نظيفة .. مساكن إيكولوجية .. سياحة مستدامة.. تثمين النفايات.. بعد فرز من المصدر..حملات نظافة متكررة..
خلافا لما توحي به الآلاف من المؤتمرات والمشاريع والشعارات واللافتات الخضراء البراقة في أنحاء الدنيا..لم يتحقق ما يكفي لضمان انطلاق القطار في اتجاه المحطة المأمولة لما يضمن بقاء الإنسان وسلامة أسباب حياته وبقائه..
بعيدا عن التشاؤم والسوداوية، تؤكد المؤشرات وسياسات القوى العظمى للدول والحكومات والشركات العالمية وحتى الأفراد ، أن ما يبذل لتعديل المسار نحو الوجهة المرتقبة..
مما يدلل على ذلك بعض ما ترتب عن فيضانات ولاية نابل ومخلفاتها البيئية وحتى الصحية مما يحمل رسائل قوية لكافة الفاعلين لتحمل مسؤولياتهم في التقليص من مخاطر ضياع ارواح بشرية ومعه منشآت ومعالم وربما قرى ومدن بحالها..
وعلى المستوى العالمي، سجل خلال شهر أفريل الماضي حادث فردي ذو دلالة بليغة تمثل في إقدام محام أمريكي على إضرام النار في نفسه احتجاجا على سلوك الناس السيئ مع البيئة يطرح عدة أسئلة منها واحد يريد طارحوه معرفة ما إذا كان هذا الشكل من أشكال الاحتجاج على طريقة تعامل الإنسان مع الكرة الأرضية يمهد إلى ثورة بيئية عالمية يكون هذا المحامي رمزَها وفق تعبير صديقنا الإعلامي التونسي حسان التليلي.
قليلة جدا هي وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في البلدان العربية التي اهتمت بإقدام محام أمريكي يدعى ديفيد بوكيل على سكب البنزين على جسده وإضرام النار فيه يوم 14 أفريل 2018 دفاعا عن البيئة. بل إن خبر موت المحامي الأمريكي على هذه الشاكلة أُدرج في صفحات المنوعات بالنسبة إلى وسائل الإعلام القليلة التي اهتمت-في البلدان العربية-بالحدث بعد وقوعه. أما في البلدان الغربية، فإن موت المحامي الأمريكي على هذه الشاكلة أثار جدلا واسعا عبر وسائل الإعلام والتواصل لايزال مستمرا
ويتضح من خلال مواقف الذين شاركوا في هذا الجدل والذين يميلون إلى الرد بنعم حول السؤال المطروح أن لديهم حججا كثيرة منها أن هذا المحامي الأمريكي يُعَدُّ بحق رمزا وأيَّ رمز لمعاناة الكرة الأرضية التي تختنق أكثر فأكثر بسبب تلوث أجوائها وبحارها ومحيطاتها ويابستها وما تحت اليابسة. فكثيرا ما يعمد الناشطون البيئيون إلى تكبيل أنفسهم بسلاسل أو إلى الإضراب عن الطعام احتجاجا على إجراءات يرون أنها تسيئ إلى البيئة. أما أن يسكب أحدهم البنزين على نفسه وأن يُضرم النار في جسده احتجاجا على مصادر الوقود الملوثة ومنها البنزين وأن يفعل ذلك وهو يدرك تماما أنه لا يمكن إنقاذه من الموت، فهذا حدث استثنائي.
ومما يقوله المحامي الأمريكي بوكيل في رسالته قبيل إضرام النار في جسده مما أودى بحياته: «...غالبية الآدميين يتنفسون اليوم هواء مسموما بسبب مصادر الوقود الأحفوري ويموتون في غالب الأحيان قبل أوان موتهم. ومَوْتِي المُعَدُّ له بشكل مسبق بواسطة مصدر من هذه المصادر يبين الأذى الذي نُلحقه بأنفسنا ...» وفي الرسالة ذاتها، أعرب كاتبها قبيل سكب البنزين على جسده عن أمله في أن يستوعب الناس من بعده درسا مفاده أنه من الضروري الحفاظ على صوت ما يصفه بـ «بيتنا الأرض».
ويُذَكر هذا المقطع من الرسالة من بمقطع جاء في رسالة زعيم الهنود الحمر سياتل عام 1854 والتي قال فيها منتقدا سلوكيات الرجل الأبيض الذي عزا القارة الأمريكية وكان يظن أنه قادر على شراء كل شيء فيها بالمال والقوة. ويقول سياتل في هذا المقطع في صيغة استنكارية: «كيف نستطيع أن نبيع أو نشتري السماء ودفء الأرض؟ ما أغرب هذه الأفكار!!! كيف نبيع طلاقة الهواء؟ كيف نبيع فقاقيع الماء ونحن لا نملكها؟». ويستمر زعيم إحدى قبائل الهنود الحمر وهو يتحدث عن أهمية الحفاظ على الطبيعة فيقول: «هذه المياه التي تُشع وهي تجري في السواقي والأنهار ليست مياها، إنها دماء أجدادنا. وإذا قررنا أن نبيعك بلادنا فاذكر (أيها الرجل الأبيض) أنها مقدسة. وقل لأبنائك إنها مقدسة. كل طيف يتراءى في صفاء مياه البحيرات ينبئك عن ذكريات شعبنا وتاريخه. وما تهمس به المياه هو صوت جدي. هذه الأنهار إخوتنا. إنها تطفئ ظمأنا، وتحمل مراكبنا، وتُطعم أطفالنا. وإذا قررنا أن نبيعك بلادنا، فاذكر وعلّم أبناءك أن هذه الأنهار إخوتنا وعليك أن تحبها كما تحب من ولدته أمك.»
حادثتا فيضانات نابل، وانتحار المحامي الأمريكي (بوعزيزي ثورة بيئية قادمة؟) يطرحان سؤالا متكررا حول ما ينبغي فعله لتعديل المسار وتفادي كوارث أكبر، وتقليص سرعة انحدار الكوكب، ومعه ساكنوه نحو فناء وشيك، مبكر؟