والمنظمات وفاعلي البيئة بكافة توجهاتهم، اين نحن منها؟
أيا كانت التوصيفات وتشخيص مدى اعتماد مقاربة الفعل البيئي المحلي مع مراعاة التوجهات الكونية، التي تأخذ في الاعتبار ترابط القضايا البيئية، ولا سيما ما يخص ظواهرها الكونية،وما يخص تأكيد حقيقة ضعف المشاركة المحلية ومن ثم تبني مسار الحكم المحلي، الذي اختزلته مشاريع أجندات 21 محلية تم بذل جهود كبرى طوال عقدين لإطلاقها وتعميمها، ولم يكن لها مع ذلك أثر يذكر في واقع المدن والتجمعات السكنية الحضرية والريفية التونسية.
يتيح الواقع السياسي التونسي الجديد أكثر من اي وقت مضى تكريس التنمية المستدامة، ومن الأسفل، لا بالإسقاط الفوقي،على الصعيد المحلي .
فبإمكان المجالس البلدية المنتخبة عبر الآليات المتاحة والخصائص الجديدة للتوزيع الهيكلي للجان، ولما تتيحه مجلة الجماعات المحلية من خلق حركية جديدة، وبعث روح من التفاعل مع مكونات المجتمع المحلي وإطلاق ورشات للعمل على تطوير بعض المشاريع على غرار نسيج من المؤسسات الخضراء والصديقة للبيئة، وبناء شراكة استراتيجية مع الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني وفق نوع من عقود تعاون ، تضمن رسم توجهات للارتقاء بالوضع التنموي، والتكامل في الأدوار بين مختلف المؤسسات والقوى لتنفيذ برامج طموحة تستقطب أكبر قدر من الطاقات والموارد المتاحة، خارج ميزانية المالية المحلية والدعم الأساسي من صندوق القروض.
لذلك يتحتم إحكام استيعاب المشمولات والصلاحيات الجديدة واعتمادها لتشريك المتساكنين من مختلف الفئات والشرائح في مجهود إعادة رسم خارطة التنمية ، وتشكيل خطط جديدة لإنشاء مدينة ذكية ، وإعداد مشاريع مستقبلية تراعي بالأخص حاجيات المجموعات السكانية الحقيقية وتطلعاتها، وتأخذ في الاعتبار متطلبات الاستدامة.
إن السياق الجديد للبلديات الوليدة، على تنوعها السياسي الفسيفسائي تحمل بذور انطلاقة قوية، وبداية جديدة لمسار المراجعة والإصلاح والإنماء، وبدء تهيئة الفضاء العمومي المحلي بمشاركة مختلف مكونات المجتمع بقواه السياسية ونخبه وممثلي المتساكنين .
إن فلسفة الجماعات المحلية التي أفرزها مسار طويل ومخاض اشتركت فيه نخبة من خيرة كوادر الإدارة التونسية، تحيل على واقع السلطة المحلية في وضعها الجديد ، وتستحث المواطنين من كل المشارب والطبقات ليغادروا دور المتفرج والمرتقب والخاضع، ليتبنوا موقف المسؤول والمشارك بالاقتراح والرأي والمشورة، فالمناخ البلدي الجديد يكرس الديمقراطية التشاركية ويضع أمام الأفراد والجمعيات فرصا سانحة لتكريس إراداتهم ورسم ملامح واقعهم وفقا لمنظورهم وطبيعة آمالهم.
ويسمح هذا الوضع الوليد، بأن تتحمل الجمعيات البيئية مثلا، واللجان المعنية بالنظافة مثلا، بمشاركة عناصر ولجان ومنظمات أخرى، في إعادة إطلاق مشروع مخططات بلدية خضراء، ترسم محليا، لا بطريقة إسقاط وتعميم إداري وخارجي، وتولد بحسب وعي المجموعة بمبادرات من داخل لجان المجلس البلدي وشركائه من المواطنين المشاركين في الجلسات التمهيدية، وكذلك الجمعيات المحلية الفاعلة الملتزمة بقضايا المجتمع والمتحمسة لتغيير الواقع والارتقاء به نحو الأفضل.
أمام المنتخبين والمستشارين اليوم فرصة ذهبية لتفعيل مشروع انطلق قبل عقدين باحتشام، وإمكانية إعطائه صبغة ومضمونا محليين متسمين بخواص الواقع المحلي وسياق المنطقة ومشاكلها ومشاغلها واهتمامات مواطنيها ونخبها.