ماذا لو تخيلنا للحظة أننا في مدرسة كبرى عنوانها البيئة وشعارها صون المقدرات والموارد وحفظ التناسق والعناية بالنظافة؟
ماذا لو فهم المثقف الراقي ، والكبير المتحضر صاحب السيارة الفارهة، أنه في الشوارع التي يسلك، والمفترقات التي يعبر، والأنهج التي يسلك، يعبر من ركن في فصل، على زاوية في ساحة، او حديقة في مدرسته، ترقبه عيون المدرسين، ويحفظ أثره تراب المكان المقدس الذي يختزن حلمه وأمل أسرته في مستقبل مشرق مأمول.
من اين نأتي بعقول كبيرة وضمائر يقظة كالتي شهدنا في مونديال روسيا، وسواعد تتطوع لتنظيف المدارج بعد انتصار أو هزيمة؟
من أين نجلب جيلا يعكس هجوم الجراد الذي يتفنن في تحويل الشواطىء عندنا إلى مزابل، ويبدع في إنشاء عشرات المصبات العشوائية هنا وهناك، وفي محيط المساكن والأحياء، لمجرد توقع مرور فرق النظافة في موعد معلوم؟
هل تحتم الردع والزجر وأغلظ الخطايا والعقوبات بعد رمي لبيب المنديل؟
هل يتوجب انتداب الآلاف من أعوان الشرطة البيئية، لرصد وإحصاء وتدوين المخالفات والمحاضر وتسجيل الخطايا والغرامات؟
هل هي الغريزة، وما بالطبع لا يتغير، لا مفر من العصا، ولا غنى عن الترهيب، بدليل ما حصدته الأشهر الأولى من تدخلات جهاز الشرطة البيئية في مختلف الجهات من مئات المخالفات والمحاضر والخطايا، التي تؤكد اتساع هامش الاستهتار والإخلال وضعف وازع الالتزام والاحترام الطوعي لدواعي الحفاظ على التوازنات البيئية ؟
أيا كانت الحالة، فإن آثارنا تدل علينا، وشكل فضلاتنا ووضع حدائقنا وساحاتنا العامة، تشي بذوقنا وحسنا، وتعكس فكرنا ومدى تحضرنا..
قبل أربعة عقود،كنت شاهد عيان، في فصل صغير بمدرسة في حلق الوادي، انتبه المعلم حسن الدريدي، لتلميذ من سكان الحي الشعبي سيسيليا، يرتدي ثيابا متسخة، أخرجه للسبورة، وجعله مصدر استهزاء، داعيا إياه لترديد: انا وسخ..مرارا..تعالت القهقهات، وكان ضحكا كالبكاء,,ومما همس المعلم: أنا من ثيابك أعرف حال بيتكم، هو لا يختلف عن وضع ثيابك..
بيد أن الفارق هنا، ان الكثير من المواطنين يميزون جيدا بين بيتهم الداخلي، ومشتركهم العمومي، حيث لا يتأخرون في تنقية مساكنهم وصالوناتهم وحدائقهم الأمامية والخلفية، ولكنهم لا يعبؤون بوضع الشوارع العامة، والساحات والحدائق وتراهم يتخلصون من قذاراتهم بها، كأنها تابعة لدولة عدوة..
حالات بعض الوجهاء الذين تعرضوا لتتبعات الشرطة البيئية، وإجراءات زجرية بمستويات غرامات متفاوتة، وهم يحاولون التخلص وتفادي الدفع، تثير الشفقة والاستغراب..
بعض «الكبار» أسماء ومقامات وصيتا وسمعة إجتماعية، يؤذون المجتمع ويودعون الفضاء العام، أدرانهم، ولسان حالهم يقول نحن نملك نصف التحضر وربع الذوق وعشر الحس وثمن الأدب..وهم مكتفون..
ما الجديد؟ قد يسأل البعض، فقد اعتاد العامة بتلك النوعية من التصرفات الشائعة المصبوغة بالأنانية المطبوعة بالفردانية والجشع..وقد يكون الجديد، قريبا، تكاثف ممارسات فردية وجماعية يقودها الناشطون والمربون والأطفال والنساء، ليكونوا منطلقا وقدوة، ويعلنوا بداية درس جديد في المدنية والإيثار والمبادرة، حتى يكون حال المحيط العام، أرقى وأنقى، من حال المنازل والبيوت والحدائق الخاصة؟
إضاءة: ابتدأ الدرس يا..بيئي
- بقلم سليمان بن يوسف
- 12:58 30/07/2018
- 1372 عدد المشاهدات
عندما نحترم عامل النظافة سنصبح بشرا وعندما نكترث لما حولنا نصبح مواطنين..
وفي الانتظار؟؟ولو نتشبه بالغرب في رقيه البيئي ..نرقى ونتطور..