وغيره اسئلة عمن يتوجب عليه المبادرة وتحمل مسؤولية الانطلاق، الدولة بما لديها من أجهزة ومؤسسات وموارد، ام المجتمع بما يختزن من روح تطوعية ومؤسسات ومنظمات قادرة على تبني المشاريع وتعبئة الموارد.
وتحيل هذه المسألة على الاشكالية الثنائية بين المجتمع والدولة، ومسؤولية قيادة البرامج الكبرى لحماية البيئة.
إذ تمثل العلاقة بين الدولة والمجتمع أحد المفاتيح الرئيسية في فهم أوضاع أي بلد. لذلك, فإن كل نظريات التغيير الاجتماعي والسياسي انطلقت من تصور ما لهذه العلاقة,
فشكل التغيير وسرعته ومداه والقوى الفاعلة المشاركة فيه محكومة بهذه العلاقة. وهذا ما يفسر الاختلاف في أنماط التغيير وسرعته بين بلد واخر.
فالدولة, وفق ما ذهب إليه الدكتور علي الدين هلال قبل عشر سنوات، هي رمز السلطة وتجسيد لها, وهي التي تنشيء المؤسسات التي تقوم بتنظيم العلاقات بين الناس في كافة المجالات, وهي التي تملك حق الاستخدام الشرعي للقوة ضد الخارجين عن القانون أو المهددين لسلامة الدولة والمجتمع. أما المجتمع, فهو مجمل العلاقات التي يدخل فيها الأفراد والجماعات والتي يمكن أن تأخذ شكلا إرثيا كالقبائل والعشائر أو شكلا طوعيا كالجمعيات الأهلية. الدولة, تمثل’ الفضاء السياسي’ الذي يتعامل فيه البشر مع بعضهم البعض باعتبارهم مواطنين. أما المجتمع, فهو مجال التفاعل الإنساني في سائر المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ويطرح السؤال حول نوع أو شكل العلاقة بين الدولة والمجتمع؟ ما هي علاقات التداخل والتاثير المتبادل بينهما ؟ وهل يسيطر أحدهما علي الآخر بشكل مستمر وفي كل الأحوال ؟ وماهي العلاقة بين الثقافة السائدة في مجتمع ما وشكل نظامه السياسي أو الاقتصادي ؟ وحول الإجابة عن هذه الأسئلة, برز إتجاهان رئيسيان في العلوم الاجتماعية.
الإتجاه الأول, إنطلق من أولوية الدولة ومركزية دورها في أي مجتمع معاصر. ويتأسس هذا الاتجاه علي اعتبار أن الدولة هي التي تقوم بالتعبير عن الصالح العام, وهي التي تحقق التوازن والانسجام بين فئات المجتمع وطبقاته
أما الاتجاه الثاني, فإنه يركز علي أولوية المجتمع, وأن الدولة ليست محايدة أو مستقلة عن محيطها الاجتماعي, وأنها تمثل امتدادا للمصالح والثقافات والأفكار السائدة في المجتمع.
هي مسألة تطرح مجددا ما فعلته الدولة الوطنية منذ الاستقلال عبر منوالها السياسي والتنموي الأحادي، وما يعرفه الدكتور عبد اللطيف الهرماسي بالتنمية القسرية ، وما أدى لـ «دولنة» المجتمع.
وجاءت أطروحة دكتوراه في علم الاجتماع نوقشت مؤخرا حول الحوكمة المحلية لتؤكد استمرار مركزة السلطة وتواصل ما يعتبر ثقافة خضوعية واتباعية.
ومع ذلك يستمر تطور الحركة الجمعياتية البيئية ونموها المطرد، بروح مبادرة مفتوح وهامش كبير للفعل والتطوع والحرص على الايفاء بالتزامات المجتمع بكافة أطيافه تجاه استحقاقات التنمية
هو دون شك زمن المجتمع المدني بخلاياه ومؤسساته ومنظماته تعيد بناء المواطن وتشكيل الفضاء ونسج العلاقات بين فاعليه بما فيها السلط
وما عاد في المجال إمكان للتراجع والنكوص عن مكتسبات المجموعة في ما حققت من مساحات للفعل والتعاون في تنزيل الحلم الجماعي ورسم المشاريع التي طالما كانت سرابا وبدت حينا من الدهر كوابيس.
ليحمل الأمانة أصحابها وهم كل مكونات المجتمع افرادا ومجموعات وجمعيات وشبكات.
وقد جاء انعقاد الدورة الأولى للمنتدى الوطني للمجتمع المدني في ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان ليعيد تأكيد مشروعية السؤال حول استقلالية المجتمع المدني وحرية فعله وتحركه، واستبعاد أي احتمال للنكوص عن مكتسبات الثورة وما حصل من أطر تشريعية ملائمة للتنظم والتحرك الجماعي من أجل خدمة قضايا المجموعة وإسناد جهود هياكل الدولة في التنمية وحماية البيئة وغيرهما.
كما سجل إعلان البحيرة تمسك مئات الجمعيات والمنظمات التونسية بذلك الحد المكتسب والتعهد بمواصلة العمل بروح من التطوع والمبادرة والمسؤولية في تعزيز مكتسبات المجتمع المدني ، ومواصلة رحلة العمل التشاركي لتحقيق متجهات المبادرة المدنية وغايات النشاط التي من أجلها بعثت الجمعيات والمنظمات.