من تدهور يجعل من بناء إقتصاد صحي خلال 2022 مهمة مستحيلة وهو مايجعل من العام الحالي استمرارا للسنوات العجاف التي مضت.
بعد أن أنهى الاقتصاد الوطني العشرية المنقضية بتسجيل أسوإ أداء له وذلك بسبب بروز جائحة كورونا التي شلت جل المحركات الاقتصادية تبعا لإجراءات التي اتخذت لمجابهة الجائحة سواء على الصعيد الوطني أو الصعيد العالمي، بدأ الاقتصاد الوطني عشرية جديدة بكتلة من الأزمات المرحلة تزداد تعقيدا من سنة إلى أخرى دون أن تدركها الحكومات المتعاقبة بالحلول الصحية و الجذرية الأمر الذي جعل الاقتصاد الوطني يمر من مرحلة السيئ إلى الأسوأ لاسيما و أن الرياح المعاكسة مستمرة.
في الوقت الذي حملت بداية السنة الحالية في طياتها آمالا متواضعة بتجاوز آثار الأزمة الصحية ،تظهر الأزمة الروسية الأوكرانية لتعصف بالتطلعات التي رسمتها الحكومة منذ بداية العام وقد ألقت الحرب التي شنتها روسيا في أوكرانيا بضلالها على التوازنات المالية وعلى المواطن تباعا وقد قادت هذه التطورات إلى حصيلة سلبية ،تتسم بعجز في الميزانية ونزيف في المديونية وأرقام قياسية في التضخم والميزان التجاري وغيرها من المؤشرات الحمراء ...
المالية العمومية بين عجز الميزانية ونزيف المديونية ...
لم تتجاوز المالية العمومية آثار الأزمة الصحية كوفيد 19 بعد والتي كانت مكلفة حيث بلغ عجز الميزانية 9.6 % في 2020 ،جاءت الحرب الروسية في أوكرانيا لتعمق من معاناة المالية العمومية ،حيث تفيد أخر الأرقام المسجلة أن عجز الميزانية سيكون في 2022 عند مستوى 9.7 مليار دينار وهو مايعادل نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مع العلم أن العتبة الأمثل للعجز لا يجب أن تتعدى 3 %.
كما تواصل ارتفاع نسق المديونية إلى مستويات قياسية ،حيث تظهر المؤشرات المتعلقة بالدين العمومي وكان الدين العام قد دخل في نزيف من الصعب إيقافه ،افقد ارتفع حجمه من 43 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2009 إلى 90 % في 2020 و قد بلغ حجم الدين العمومي المسجل في موفى أكتوبر 2022 ما قدره 111435 مليون دينار ومن المرجح أن يصل حجم الدين العمومي الى 80.2 % مع موفى العام وقد ساهمت الحرب في صعود أسعار السلع الأساسية لا سيما الحبوب والمحروقات مما أثقل كاهل المالية العمومية ،وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن ارتفاع سعر النفط مقارنة بالفرضية المعتمدة قد كلف نحو 3.5 مليار دينار وهو مايمثل 36 % من إجمالي العجز المتوقع.
الميزان التجاري وأرقام قياسية....
امتدادا لأثار الحرب الروسية الأوكرانية ،سجل الميزان التجاري عجزا بقيمة 23 مليار دينار مع موفى نوفمبر مسجلا بذلك زيادة بنحو 60 % مقارنة بالفترة ذاتها من العام المنقضي وتراجعا في نسبة تغطية الواردات بالصادرات بـ 5 نقاط مائوية ويعتبر هذا الرقم لوحده انعكاسا لتدهور مستوى الإنتاج الوطني وارتفاع الحاجة الى التوريد ،إذا يستند العجز المسجل على ارتفاع قيمة الواردات الطاقية و الغذائية ، إذا يمثل مساهمة عجز الطاقي نحو 40 في المائة من إجمالي العجز ويأتي هذا الرقم أمام استمرار تراجع الإنتاج الوطني للنفط والغاز وضعف مساهمة الطاقات المتجددة من جهة وإرتفاع أسعار التوريد من حيث كلفة الشحن و السعر في السوق العالمية الى جانب تراجع سعر صرف الدينار الذي تدهورت قيمته بنسبة 11.3%مقابل الـدولار الأمـريـكي،حيث سجلت الواردات الطاقية لوحدها رقما غير مسبوق لتبلغ 13.5 مليار دينار والأمر ينسحب على واردات الحبوب التي سجلت رقما قياسيا تجاوز 4 مليار دينار قبل نهاية العام وذلك بسبب غلاء الأسعار في السوق العالمية وعدم تحسن مستويات الإنتاج التي ظلت لسنوات عاجزة عن تلبية حاجيات الاستهلاك الوطني.
الأوضاع الاجتماعية... الهدوء ماقبل العاصفة ...
كان النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة قد غلبت عليه توصيفات الهش والضعيف ولئن يتميز النسيج الاقتصادي في تونس بالتنوع من زراعي وصناعي وخدماتي إلا انه مازال غير قادر على تجاوز مرحلة الضعف الهيكلي الذي يشكوه منذ سنوات خاصة،ولئن سجل الناتج المحلي الإجمالي خلال الثلاثي الثالث من سنة 2022 نموا بنسبة 2.9 % بغذاء من تطور القيمة المضافة لقطاع الخدمات بنسبة 3.4 % ولم تمكن نسبة النمو المسجلة من حل معضلة البطالة في التفاقم دون وجود أية بوادر للحد منها ،فبعد ما عصفت الكارثة الصحية السنة المنقضية على إثر إغلاق المؤسسات في فترة الحجر الصحي زاد من وتيرة ارتفـاع البطالة في الثلاثي الثانية إلى 18 % وقد إستمرالمنحى التصاعدي للبطالة خلال السنة الحالية على الرغم من عودة النشاط و إن كان بنسق أبطأ ،حيث كشفت بيانات المعهد الوطني للإحصاء عن ارتفاع معدلات البطالة لتصل إلى 15.3 % في الربع الثالث و بذلك يستمر تأثير النمو الهش على سوق الشغل التي تعرف بدورها بمحدوديتها من جهة و العمل الهش من جهة ثانية وتعد أزمة البطالة من الأزمات المرحلة والتي قد تشهد إنفجار خلال السنة المقبلة لا سيما أمام انسداد أفق الانتدابات في الوظيفة العمومية من جهة و المخاوف التي خلفها قانون المالية لسنة 2023 الذي أطلق عليه «قانون المجبى « الذي ستكون له إرتدادات عكسية على القطاع المنظم و على المواطن.
والى جانب أزمة البطالة المستفحلة ،فإن الجانب الأخر من النهر لا يحمل خيرا ،ذلك أن المعيشة باتت في غلاء متزايد و الأسعار تشتعل وفي المقابل لا تواجه الحكومة هذه الأزمات إلا بإجراء حملات رقابة على الأسعار والمنتجات وعلى أهمية هذه الحملات ،فإنها تبق محدودة أمام توسع فاحش لممارسات الاحتكار والغش ،حيث تظهر معطيات المعهد الوطني للإحصاء ارتفاعا في نسبة التضخم و تآكل المقدرة الشرائية وقد شهدت نسبة التضخم ارتفاعا متواصلا منذ بداية العام لتصل إلى مستوى غير مسبوق بـ9.8 % في نوفمبر وهو ما يشير إلى تعمق تأكل المقدرة الشرائية وعجز المستهلك عن مجابهة إنفجار الأسعار خاصة المواد الأساسية ولاتخف الحكومة أن العام المقبل سيكون صعبا بالنظر إلى توقعاتها بأن يكون معدل مستوى التضخم عند 10.5 % و ذلك في علاقة مع برنامجها الإصلاحي وفق تعبيرها الذي يتضمن سحب الدعم عن المحروقات بصفة تدريجية علاوة على التخفيض في قيمة دعم المواد الأساسية وغيرها من المفاجآت التي تختفي وراء كلمات عامة و سطحية تنتهي بقرارات موجعة و مفقرة لفئة من متسعة من التونسيين هو مايهدد السلم الاجتماعية خلال العام المقبل.
الاستثمار يبقى دون التطلعات....
لازالت حالة عدم اليقين لدى المستثمرين مستمرة علاوة على مناخ الأعمال الهش الذي تشهده للبلاد ،حيث تؤكد المعطيات الرسمية تدحرج الاستثمارات الخارجية خلال العام المنقضي للسنة الرابعة على التوالي ،حيث تراجعت بنسبة 34.5 % بين 2018 و2021 ليبلغ 1844.8 مليون دينار مع نهاية السنة المنقضية وهي نتيجة بعيدة عن التوقعات المتفائلة التي تطلع إلى تعبئة 2400 مليون دينار بعنوان الاستثمارات الخارجية المباشرة للعام الحالي غير أن قيمة الاستثمارات المسجلة إلى غاية الثلاثي الثالث بقيمة 1.6مليار دينار، كما أظهرت وكالة النهوض بالصناعة و التجديد هبوطا بنحو 5 في المائة في قيمة الاستثمارات المصرح في الصناعات المعملية لديها ،هذا بالإضافة إلى قيمة الاستثمار العمومي كانت الحلقة الأضعف ،حيث قدرت قيمتها عند 3.5 مليار دينار لكامل 2022 مقابل 4.5 مليار دينار في 2021.
تمضي سنة 2022 كغيرها من السنوات دون تحقيق أي تقدم على الصعيد الاقتصادي أو إحراز إصلاحات هيكلية يمكن من أن تثمر خلال السنوات المقبلة، أما عن السنة القادمة التي رحلت لها أزمات كثيرة وينتظر منها إن تكون نقطة إنطلاق الإصلاحات الجدية وفقا لما ورد في قانون المالية تحمل الكثير من التساؤلات والآفاق لاتزال قاتمة بعد ....
الحصيلة الاقتصادية لـ 2022: من السيّئ إلى الأسوإ... و ترحيل الأزمات مستمر
- بقلم احلام الباشا
- 11:30 02/01/2023
- 507 عدد المشاهدات
لازال الأداء السلبي يخيم على أهم محركات الاقتصاد الوطني، إذ رغم من التحسن الطفيف المسجل في نسبة النمو مع موفى الثلاثي الثالث،فإن ماتظهره المؤشرات الاقتصادية