حديثا والذي اعتبر انه تم التحكم نسبيا في العجز الجاري لميزان المدفوعات وذلك على الرغم من توسع العجز التجاري تبعا لازدياد الواردات المرتبطة بتطور الطلب الداخلي.
يعد الميزان الجاري من أقوى المؤشرات التي تدل على صحة الاقتصاد من عدمه ،حيث يدل الحساب الجاري على حجم حاجة البلاد من العملة الصعبة لتأمين وارداتها من السلع الأساسية من غذاء و طاقة و دواء و ولميزان المدفوعات أهمية كبيرة لأنه من خلال دراسة مفرداته يعكس درجة التقدم الاقتصادي في هذا البلد، و يمكن من تحديد مركزه المالي بالنسبة للعالم الخارجي، لذلك فإنه غالبًا ما يطلب صندوق النقد الدولي من جميع أعضائه تقديم موازين مدفوعاتها سنويًا، لأن هذا الميزان من أهم المؤثرات دقة في الحكم على المركز الخارجي للعضو.
وقد عرف ميزان المدفوعات خلال الفترة 2011-2020 عجزا تراوح بين 6% كأدنى نسبة من الناتج الإجمالي المحلي وهي مسجلة في 2020 و 11.1% في 2018 وهي أعلى نسبة وقد استقر عند 8.6% كمعدل خلال العقد المنقضي.
وقد ورد في تقرير البنك المركزي لسنة 2021 تراجع في عجز الحساب الجاري بنسبة 0.1% مقارنة بسنة 2020 ،حيث بلغ 7.7 مليار دينار مشيرا إلى التحكم النسبي في مسارع اتساع العجز الجاري وذلك على الرغم ارتفاع العجز التجاري بنسبة 27.1 % بسبب ارتفاع الواردات المرتبطة بتطور الطلب الداخلي وبالمدخلات الصناعية وذلك بالتزامن مع تصاعد الأسعار الدولية للطاقة والحبوب ،مشيرا إلى أهمية ارتفاع الصادرات الصناعات المعملية في التخفيف من وطأة نزيف الميزان التجاري بالإضافة إلى مساعدة مداخيل الشغل والعائدات السياحية في تصحيح اختلال الحساب الجاري الخارجي إلى حدّ كبير مع العلم ان مداخيل الشغل قد ارتفعت بنحو 30%.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
و قال البنك المركزي أنه في ظل سياق من الصعوبات المرتبطة بتعبئة التمويلات الخارجية وتدهور الترقيم السيادي وعدم إبرا م اتفاقية تمويل مع صندوق النقد الدولي، علاوة على أهمية التسديدات بعنوان أصل الدين الخارجي، فقد تراجع حاصل العمليات برأس المال والعمليات المالية بشكل ملحوظ -6,2 مليار ديناروهو ما أدى إلى فائض ضئيل على مستوى الميزان العام للمدفوعات وتحسن طفيف لصافي الموجودات من العملة الأجنبية.
وقد كانت هذه التطورات مثيرة للقلق بالنسبة للبنك المركزي الذي لجأ خلال السنة الحالية للترفيع في نسبة الفائدة بعد فترة من الإمهال بدافع تجنيب العناصر الاقتصادية أعباء مالية إضافية، حيث قام البنك المركزي التونسي بالترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية بـ 75 نقطة أساسية في شهر ماي 2022 لتصل إلى 7 % ،معتبرا أن مثل هذا الإجراء ضروريا لكبح جماح التضخم من ناحية واحتواء العجز الجاري وبالتالي الحفاظ على الاحتياطيات من العملة الأجنبية وعلى سعر صرف الدينار من ناحية أخرى، وهو ما من شأنه الإبقاء على بيئة صرف مستقرة بما يدعم تماسك القطاع الخارجي ويرّسخ التوقعات.
وقد تم تدعيم هذا الإجراء من خلال الترفيع في نسبة تأجير الادخار بنقطة مئوية بهدف التشجيع على الادخار الوطني وتمويل الاستثمار، بصفته المحرك الرئيسي للنمو.
لقد بات من الضروري اخذ المزيد من الحذر لاسيما وأن مستوى عجز الحساب الجاري ماض في مزيد الاتساع وهو مايهدد التوازنات الكلية لميزان المدفوعات العام ،حيث يعد تعمق عجز الميزان الجاري استنزافا للعملات الأجنبية وبالتالي تراجعا لقيمة العملة الوطنية و تباعا ضغوطا إضافية على المقدرة الشرائية بالإضافة إلى مخاطر فقدان إمكانية توريد المواد الأساسية من غذاء ودواء ،فمن خلال قراءة الأرقام المنشورة على بوابة البنك المركزي يمكن استشعار حجم المخاطر المنتظرة في حال لم يقع تقوية رصيد الحساب الجاري وذلك على الأقل عن طريق الحد من عجز الميزان التجاري وهو المسؤول الأول عن تآكل الاحتياطي من العملة الصعبة و جذب مزيد من الاستثمار الخارجي .
وتظهر المعطيات ان قيمة عجز الميزان الجاري قد بلغت 7.1 مليار دينار مع نهاية السداسي الأول وهو مايعادل 4.9 % من الناتج المحلي الإجمالي ،فإذا وقفت نسبة العجز في حدود ستة أشهر على عتبة 5% فذلك يعني ان النسبة قد تتجاوز 10% مع نهاية السنة خاصة إذ راجعنا النسق التصاعدي للحاصل الجاري من شهر الى اخر ،اذ قفزت قيمة العجز خلال شهر أفريل من 3.9 مليار دينار الى 6.5 مليار دينار خلال شهر ماي من السنة ذاتها ، ففي حال تم تسجيل زيادة بقيمة 1.5 مليار دينار شهرية على مدار ستة أشهر المتبقية فأن قيمة العجز ستصل الى 15 مليار دينار وهو قياسي يضاف إلى حصيلة 2018 التي بلغت قيمة العجز 11.7 مليار دينار ونسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي عند 11.1% وكانت أعلى نسبة قد سجلت اخر مرة في العام 1984 وفق البيانات المفتوحة للبنك العالمي ب9.2%.
رغم التطور في بعض مكونات ميزان المدفوعات فان تسارع العجز في الميزان التجاري الذي تطور باكثر من 50% حال دون نتائج ملموسة الأمر الذي من شانه تعقيد الأوضاع في الفترة المقبلة خاصة أمام ضعف الاستثمار الأجنبي وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتداين الذي سيكون مكلفا باعتبار التصنيف الائتماني السلبي لتونس دون أن ننسى التأثيرات الأخرى على مستوى الاستهلاك على التونسي وهي ارتفاع الأسعار وفقدان السلع من الأسواق ،وستتضح مزيد من معالم هذا العجز خلال الفترة المقبلة و إن كانت ملامحها بارزة للعموم.