إلا أن الحرب الحقيقة التي تدار اليوم في المنصات النفطية وبورصات القمح واسواق المال .
لم تكن الحرب الروسية الأوكرانية الحرب الاولى التي تكشف عن المدى الذي تصل اليه اصداء الحروب التي تبدا باختلاف السياسات وتضارب المصالح وتمتد اولا الى حصد الأرواح وتنتهي بدمار جهود عقود من الزمن لتبدأ اعادة البناء على امل ان لا يتكرر ما حصل. اصداء الحروب التي كانت في القديم تبدأ بتخزين المؤن تحسبا لامتداد الصراعات ويصبح الهدف فقط توفير الغذاء لاجل الاستمرار اصبحت فيما وفي أيامنا هذه أكثر امتدادا وبأبعاد مختلفة. فالحرب الدائرة في شرق اروبا أثرت في دول أمريكا اللاتينية التي بدأت تستشعر أزمة غذاء نتيجة ارتفاع أسعار الدقيق بنسبة تقارب الـ70 %.فشحن مخازن السلاح استعداد للحرب يعيد الإنسان إلى بدائيته الحفاظ على البقاء لهذا كانت بورصة القمح العالمية قد شهدت قفزة في أسعار القمح بـ 7 % وهو أعلى مستوى منذ 14 عاما.
ولم يكن دوي الصواريخ بعد إطلاقها من منصاتها اقل دويا من سعر النفط القادم من منصات كل العالم فقد ارتفع أمس الاثنين إلى مستوى قريب من 2008 فقد بلغت أسعار بعض العقود الآجلة 130 دولار وتشهد أسعار الطاقة منحى تصاعدي منذ الحرب الروسية الأوكرانية نتيجة تقلص المعروض واضطراب الإمدادات عبر البحر الأسود ومن المنتظر أن يتقلص المعروض في قادم الأيام إذا ما تواصلت الحرب فقد تقلصت صادرات روسيا اليومية من النفط ومشتقاته من 4.7 مليون برميل إلى 2.5 مليون برميل. علما وان صادرات روسيا من النفط والمواد المكررة يصل إلى 7 ملايين دولار.
ولم يكن القمح والنفط فقط المتأثران بالحرب فقط ارتفعت أيضا أسعار النحاس لأعلى مستوى له على الإطلاق وزيادة أسعار النيكل(أحد المواد المغناطيسية) 30 %، بعد شح المعروض كما ارتفع سعر الالومينيوم. ومن المنتظر ان تتناثر أسعار بقية المنتجات باعتبار ان مدخلات الانتاج والمواد الأولية تشهد مستويات قياسية ولن يمر وقت طويل حتى تنتقل الأزمة الى المستهلكين. ولئن سجل شهر فيفري ارتفاعا في نسب التضخم في عديد المناطق والبلدان على غرار منطقة اليورو التي شهدت ارتفاعا قياسيا ب بلوغ التضخم 5.8 % وصعود كبير في تركيا بنسبة 54 % ومازالت المخاوف الأمريكية من ارتفاع التضخم أكثر مما سجل سابقا قائمة علما وان أسعار المستهلكين ارتفعت في أمريكا الى مستويات لم تبلغها منذ 40 عاما.
ولئن مازال امد الحرب غير واضح باعتبار الجهود الديبلوماسية الى حد فشلت في وقفها الا انه حتى وان توقفت الحرب يوم غد او حتى الآن فان اثارها ستظل منكشفة في قادم السنوات. اذ يبدو انه لا مستفيد من الحرب حتى وان استبشر منتجو النفط والحبوب بإمكانية جني ارباح الا ان موجة الغلاء التي امتدت إلى ابسط السلع تزيد من صعوبات الحكومات في كل البلدان دون استثناء، الحكومات التي مازالت في طور وضع خطط للخروج من أثار جائحة تجد نفسها أمام عقبة أخرى ووضع آخر يكلفها تعديلات جديدة لآفاقها بتكلفة غالية.