تعرف قائمة متسعة من المنشآت العمومية تحديات مالية تعيق إستمراريتها وتتغذى التحديات من الحوكمة الهشة ،حيث يتعطل أداء هذه المنشآت في ظل غياب إستراتيجية واضحة في مجال المساهمات تمكن من ضبط الأهداف المرجوة علاوة على عدم الفصل بين الدولة كمساهم في رأس المال والدولة كسلطة إشراف والتدخل في السياسة التجارية لعديد من المنشآت العمومية وذلك بضبط تعريفة السلع والخدمات المسداة دون مراعاة التوازنات المالية وتحديد معايير واضحة للحصول على دعم الدولة وفقا لما ورد في تقرير حديث صدر عن وزارة المالية الذي كشف عن تطور رصيد المستحقات والديـون القائمـة بيـن الدولـة والمنشآت العموميـة مـن جهـة والمنشآت فـي مـا بينهـا مـن جهـة أخـرى.
قال تقرير حديث لوزارة المالية حول الوضعية المالية للمنشآت العمومية أن رصيـد المستحقات والديـون القائمـة بيـن الدولـة والمنشآت العموميـة مـن جهـة والمنشآت فـي مـا بينهـا مـن جهـة أخـرى ارتفـاع متواصـل خلال الفتـرة الممتدة مـن 2018 إلى سـنة 2021 وقد أفضى إلى تدهـور الوضعيـة المالية لعديـد المؤسسات خاصـة الناشـطة بقطـاع الطاقـة والمحروقات وصناديـق الضمـان الاجتماعي .
ففي ما يتعلق بالمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية ،فقد بلغت مستحقاتها تجاه كل من الشركة التونسية للكهرباء والغـاز حوالـي 774 مليون دينار و1034 مليون دينار للشـركة التونسـية لصناعـات التكريـر إلى غايـة موفـي جويليـة 2021 وقد نتـج عـن عـدم استخلاص هـذه الديـون توقـف المؤسسة التونسـية للأنشطة البتروليـة عـن خـلاص دائنيهـا ودفـع مسـتحقات الدولـة بمـا قيمتـه 373 مليون دينار بعنـوان إتاوات ومداخيـل تسـويق المحروقات وقد بلـغ مسـتوى العجـز المالي لديهـا 830 مليون دينار.
ويعـزى عـدم قـدرة الشـركة التونسـية لصناعـات التكريـر علـى تسـديد ديونهـا الارتفاع أسـعار النفـط الخـام ليسـتقر فوق 70 دولار /البرميل منذ جوان 2021 مقابل منحة دعم وقع احتسـابها على أسـاس 45 دولار للبرميل مـع اسـتحالة تطبيـق التعديـل الاتوماتيكي بصفـة شـهرية ومسترسـلة وحيـث بلغـت مسـتحقاتها لـدى الدولـة بعنـوان دعـم المحروقات قرابـة 2.1 مليار دينار فـي موفـى وجويلية 2021 وارتفـاع مسـتحقاتها لـدى الشـركة الوطنيـة لتوزيـع البتـرول بمـا قيمتـه 517 مليون دينار وفـي غيـاب الموارد، التجـأت الشـركة لتغطيـة عجزهـا المالي إلى التدايـن البنكـي ليبلـغ مسـتوى1298 مليون دينار فـي جـوان 2021 وكذلـك تأجيـل خلاص المزودين الأجانب مـن المواد البتروليـة ممـا يهـدد إمكانيـة اللجـوء إلى اسـتعمال المخـزون الاحتياطي مـن المحروقات .
وتعاني الشركة التونسية للكهرباء والغاز بدورها من صعوبات مالية ناتجة أساسا من عدم تغطية أسعار التعريفـات للكلفـة الحقيقيـة للكهربـاء والغـاز حيـث بلغـت نسـبة العجـز فـي تغطيـة التعريفـة للكلفـة سـنة 2019 حوالي 24 % بالنسبة للكهرباء و41 % بالنسبة للغاز، هذا بالإضافة إلى أنها لا تزال تسجل ارتفاعا في المستحقات خاصـة بعنـوان استهلاك الكهربـاء والغـاز، حيـث بلغـت المستحقات مـا قيمتـه 2020 مليون دينار سـنة 2020 ،منهـا 1099 مليون دينار لـدى الخـواص و921 مليون دينار لـدى الدولـة والمنشآت العموميـة مجتمعيـن، وتـم تسـجيل ذلـك بالرغـم مـن تسـوية 150 مليون دينار سنة 2020 من طرف وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار بعنوان مستحقات الدولة. وقد نتج عن هـذه الوضعيـة عـدم قـدرة الشـركة علـى خـاص مسـتحقات مـزودي الغـاز خاصـة شـركة سـونتراك الجزائريـة التـي توفر أكثر من نصف الاستهلاك الوطني.
كما أن عدم توفر الموارد المالية الضرورية للشركة الوطنية لتوزيع البترول لخلاص مستحقات الشركة التونسية لصناعات التكرير كان بسبب عدم حصولها على مستحقاتها تجاه حرفائها من القطاع العام والبالغة في موفى جويلية 2021 ما قيمته 583 مليون دينار، تتوزع بين شركات النقل العمومي بما قدره 308 مليون دينار والوزارات بمبلغ 151 مليون دينار ومؤسسات عمومية أخرى بمبلغ 124 مليون دينار .
أما بالنسـبة لصناديـق الضمـان الاجتماعي، فـإن تطور رصيد مسـتحقات الصنـدوق الوطنـي للتأميـن علـى المرض تجـاه الصنـدوق الوطنـي للتقاعـد والحيطـة الاجتماعية والصنـدوق الوطنـي للضمـان الاجتماعي كان بسـبب تخصيـص مـوارد الصندوقيـن لتسـديد جرايـات المتقاعدين وكذلـك بسـبب تطـور مسـتحقاتهما تجـاه القطـاع العـام والخـاص وقـد أفضت هـذه الوضعيـة إلى تطـور متخلداته تجـاه الصيدليـة المركزية حيـث بلغـت 390 مليون دينار فـي موفـى 2020 والتـي بدورهـا أصبحـت هـذه الأخيرة تواجـه صعوبـات لتوفيـر الموارد المالية اللازمة لتوريـد المنتجات الدوائيـة.
وتجدر الإشارة إلى أن إصلاح المؤسسات العمومية من ضمن الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي الحكومة ،حيث يؤكد ضرورة إجراء إصلاح عميق للشركات العمومية بمختلف مجالاتها من اتصالات وطاقة ومياه شرب ونقل جوي ،كما ويدعو صندوق النقد الدولي إلى أن يترافق إصلاح نظام الدعم (على المحروقات والسلع الأساسية) مع آليات تعويض تستهدف المعوزين.