حيث يشير مجلس الحبوب الدولي إلى ارتفاع مؤشر أسعار تصدير القمح بنسبة 46 % على مدار العام الحالي. ويتوقع أن يؤثر ارتفاع أسعار القمح المتزايد على المستهلكين في كل دول العالم و من بينها تونس التي ارتفعت قيمة وارداتها من الحبوب إلى 2 مليار دينار مع موفى أوت 2021 الأمر الذي سيؤثر بدوره على الموازنات المالية للبلاد.
تبرز متابعة التوريد والإنتاج والطلب الداخلي على إمتداد العقود الأخيرة العجز الهيكلي لميزان الحبوب إذا تطور الطلب بنسق أسرع من الإنتاج مما أدى إلى تنامي التبعية للخارج في توريد الحبوب وبالخصوص القمح اللين ،حيث تطورت تبعية تونس لتوريد الحبوب بما فيها الذرة إلى 53.9 % في 2005 إلى 73.2 % في 2016 و بمعدل خلال الفترة المذكورة بـ63.6 % .
وقد شهدت قيمة واردات الحبوب تطورا خلال السنوات الخمس المنقضية،حيث ارتفعت من 1.7 مليار دينار إلى 2.7 مليار دينار في 2020 مثلما أصبحت فاتورة الحبوب تستأثر بنصيب الأسد من إجمالي الوردات ،حيث زادت من 43.8 % إلى 47.3 % في 2020 .
وتشهد قيمة واردات الحبوب إرتفاعا تزامنا مع تراجع المحصول على الصعيد العالمي، فقد توقعت وكالة بلومبيرغ قبل أسابيع بارتفاع أسعار القمح عالميا، وحذرت حكومات دول الشرق الأوسط التي تعتمد على الخبز المصنوع من القمح في غذائها اليومي من موجات غلاء للأغذية، وذلك بناء على توقع الحكومة الأميركية انخفاض الاحتياطيات العالمية إلى أدنى مستوى لها في الخمس سنوات المقبلة بسبب تراجع إمدادات الدول المصدرة للقمح. وقد خفضت الفاو تقديراتها لإنتاج محاصيل الحبوب العالمية إلى 2.788 مليار طن في 2021، من 2.817 مليار طن.وقد ارتفعت أسعار الحبوب خلال أوت المنقضي بنسبة 31.1 % على أساس سنوي.
ومن المتوقع إن يؤثر هذا الارتفاع بدوره على التوازنات المالية للبلاد ،نظرا لتمتع مادة الحبوب بالدعم ،حيث رصد قانون المالية لسنة 2021 ،1.6 مليار دينار وهو ما يعادل 3.1 % من الميزانية ،الأمر الذي سيؤدي تباعا إلى زيادة في الأعباء نظرا لصعود الأسعار في السوق العالمية ، حيث تبين المعطيات الواردة على موقع المرصد الوطني للفلاحة زيادة في سعر القمح اللين بنسب تراوحت بين 38 و48 % الأوروبي و الأمريكي على التوالي.،حيث بلغ سعر الطن من القمح اللين الأوروبي 827 دينار خلال شهر أوت المنقضي،كما بلغ معدل سعر الطن من القمح الصلب 1124 دينار للطن بإرتفاع بنسبة 29.32 % عن الفترة ذاتها من السنة المنقضية ، مع العلم ان نسق الارتفاع كان قد إنطلق منذ الأشهر الأولى من السنة الحالية في الوقت التي كانت التوقعات الدولية متفائلة بشأن المحصول للسنة الحالية و الذي كان سيكون لذلك تأثير إيجابي على الأسعار ، ذلك أن التوقعات التي يضعها ديوان الحبوب يستمدها أساسا من التوقعات الدولية على غرار مجلس الحبوب الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة مع الاعتماد على سعر الصرف الذي حدد ب2.8 دينار مقابل الدولار في قانون المالية.
ومن البديهي أن يكون لهذا الارتفاع أن ينعكس سلبا على المالية العمومية أمام الارتفاع المهم لأسعار الحبوب من جهة وتزايد حجم الاستهلاك الوطني من جهة ثانية ،فإلى جانب الفجوة التي أحدثتها أسعار النفط ،فإن الحبوب سيكون له شأن في أزمة المالية العمومية بإعتبار أن التطور المسجل في الأسعار سينعكس على قيمة الواردات التي تخضع بدورها لتأثيرات سعر الصرف من جهة و السوق العالمية التي تعرف ارتفاعا في الطلب مقابل تراجع في العرض.