حيث تعاني تونس من عجز تجاري مع 15 دولة من ضمن 28 دولة من بلدان الاتحاد الأوروبي مما أدى إلى بحث عن خيوط شراكة جديدة يمكن من خلالها أن تحقق تونس الاستفادة كما يستفاد منها وهو ما ذهبت فيه خلال السنوات الأخيرة ،حيث إنطلقت تونس في تعديل بوصلة علاقاتها التجارية نحو القارة السمراء بعد أن أصبحت هذه الأخيرة محل إهتمام وبات التنافس على أشده من دول الجيران أو من مختلف الدول من أوروبا واسيا وذلك للإمكانات الهائلة التي تزخر بها القارة.
أعلنت تونس انضمامها بشكل رسمي إلى السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (كوميسا) منذ شهر جويلية 2018، خلال اجتماع قمة رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء والذي احتضنه العاصمة الزمبية لوزاكا ، وذلك بعد مسار من التفاوض دام على مدار ثلاث سنوات، حيث انطلقت تونس في مسار التفاوض منذ جانفي 2016 وتأتي هذه الخطوة الجديدة -المتأخّرة نسبيّا- نحو تعزيز العلاقات التجاريّة والاقتصاديّة مع دول شرق وجنوب إفريقيا، لإيجاد موطئ قدم في هذه التجمّعات الاقتصاديّة، والتّي كان آخرها منح تونس صفة عضو ملاحظ في 04 جوان 2017 صلب المجموعة الاقتصاديّة لدول غرب أفريقيا.
وتمثل الكوميسا منطقة تبادل حر، تضم في عضويتها 21 دولة: مصر وليبيا وبوروندي وجزر القمر وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا وكينيا ومدغشقر وملاوي وجزرالموريس ورواندا وسيشال والسودان وإيسواتيني (سوازيلاند سابقا) وأوغندا وزامبيا وزمبابوي والصومال.
وتضم الكوميسا 586 مليون نسمة ويصل الناتج الإجمالي بـ804637 مليون دولار لسنة 2019 وفقا للبيانات الواردة بالموقع الرسمي للكوميسا وتصل قيمة صادرات التكتل الاقتصادي 112 مليون دولار وواردات بـ211975 مليون دولار والصادرات البينية بـ10874 مليون دولار فيما تصل الواردات البينية ب11241 مليون دولار و تعتبر تونس الأولى من حيث الواردات البينية بحجم 1661 مليون دولار.
وتهدف معاهدة الكوميسا إلى تنمية المبادلات التجارية وتحرير إنسياب السلع والخدمات ودعم الشراكة بين دول شرق وجنوب إفريقيا وتشجيع الاستثمارات المتبادلة فيما بين البلدان الأطراف وجعل فضائها الاقتصادي أكثر اندماجا وجذبا للاستثمارات الخارجية ،وبهدف جني ثمار الانضمام إلى الكوميسا ،تحرص تونس على تطوير أدوات التواصل والاستشراف والتقييم بما يضمن تحقيق الاستفادة المثلى من انضمام وفي هذا الإطار انعقد أول أمس الاجتماع الرابع للجنة الوطنية المكلفة بمتابعة التعاون مع السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي (الكوميسا) وقد خصص اجتماع اللجنة لتقديم تقييم أولي لوضعية التبادل التجاري مع بلدان الكوميسا ومتابعة المسائل التي تم طرحها من الجانب التونسي بمناسبة اجتماعات الهياكل المديرة للكوميسا والبرامج التي يجري تنفيذها حاليا في تونس، وذلك منذ تاريخ آخر اجتماع للجنة الذي انتظم خلال شهر جويلية 2020.
وفي هذا السياق ،قال مدير التعاون مع إفريقيا بوزارة التجارة وتنمية الصادرات شوقي الجباّلي في تصريح لـ«المغرب» أن العمل بمبادئ إتفاقية الكوميسا بشكل فعلي قد إنطلق بداية السنة الحالية وتحديدا مع في بداية شهر مارس وهو ما يجعل من تأثير انضمام تونس إلى الكوميسا على المبادلات التجارية ضعيفا لا سيما ان دخول الاتفاق حيز التنفيذ قد تزامن مع ظهور الجائحة التي أثرت بعمق في الحركة التجارية في أفريقيا وفي العالم.
فائض تجاري تجاه الكوميسا بـ560 مليون دينار
وبين المتحدث أنه تم تسجيل تحسن طفيف على مستوى الصادرات التونسية تجاه دول المنطقة، ولفت إلى أن التقييم الذي تم إنجازه قد استثنيت منه مصر وليبيا نظرا لوجود شراكات متعددة مع تونس في إطار اتفاقيات أخرى ،حيث تستحوذ ليبيا و مصر على 89 % من جملة صادراتنا و92 % من الواردات داخل المنطقة وذلك بتاريخ الإحدى عشر شهرا من سنة 2020 ،ويشهد الميزان التجاري مع السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا فائضا بنحو 560 مليون دينار ،غير أنه وفي حال وقع إقصاء مصر و ليبيا التي نسجل معها فائض تجاري يتجاوز 980 مليون دينار من السوق ،سينزل الفائض إلى 82 مليون دينار فقط .
وأوضح مدير التعاون مع إفريقيا أن الصادرات التونسية مع الكوميسا بصرف النظر عن ليبيا و مصر قد نمت بنسبة 8 % مقارنة ما قبل بداية تطبيق الاتفاقية لكن في حال إحتساب دولتا ليبيا و مصر ،فإن حجم الصادرات تجاه الكوميسا قد تراجع بنسبة 16 % .
صعود الصادرات التونسية مع مدغشقر بـ300 %.
وأشار المصدر ذاته إلى نمو حصة الصادرات لبلدان الكوميسا بإستثناء مصر وليبيا بارتفاع من 8 % في 2019 إلى 11 % خلال 2020 وتعتبر مدغشقر وكينيا وجزر الموريس على رأس الدول التي ارتفع حجم الصادرات التونسية إليها ،حيث زادت الصادرات تجاه مدغشقر بعد الانضمام بنسبة 300 % وكينيا بـ223 % وجزر الموريس بأكثر من 40 % .
أما عن طبيعة السلع محل التبادل التجاري، فإن المواد الغذائية والعجين الغذائي ،الزيوت النباتية ،زيت الزيتون والمواد الورقية.
وفي سياق متصل ، تسعى تونس إلى تكثيف الجهود لمزيد التعريف بمزايا الانضمام إلى هذه المجموعة الإفريقية لدى الفاعلين الاقتصاديين بما في ذلك إصدار كتيب أو دليل في الغرض والتأكيد على أهمية الاتصال المباشر على المستويين الداخلي والخارجي. وبالتوزاي مع ذلك سيقع العمل على إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوز العراقيل التي قد تعترض المبادلات التجارية مع هذه البلدان بالتنسيق المباشر والمتواصل مع هياكل الدعم والمنظمات المهنية والسفارات والتمثيليات التجارية.
وكانت الأمينة العامة لمنظمة «الكوميسا» Chileshe kepwepwe قد أفادت بأن دول المجموعة سعيدة بانضمام تونس الى تركيبتها ما سيعطى الفرصة لمجتمع الأعمال التونسي لفتح أسواق جديدة والتعرف علي الشركاء المحتملين من بلدان الكوميسا و تجسيم الفرص الاستثمارية والمميزات التنافسية التي تتمتع بها دول المجموعة وما يمكن أن تقدمه لبعضها البعض وإلى باقي دول العالم .
وأكدت الأمينة العامة خلال زيارتها الرسمية الأولى إلى تونس في سبتمبر 2019 أن دول تجمع الكوميسا تعد في طليعة الدول المشاركة في مبادرات التكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي في القارة الأفريقية، بما في ذلك دورها الريادي في اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية، التي ستساعد البلدان الإفريقية على جني ثمار فتح مزيد من الأسواق واستغلال الموارد المتاحة ورفع القدرة التنافسية والحد من الاعتماد على الشركاء التجاریین التقلیدیین.
الكوميسا والاستثمار...
أصبحت إفريقيا خلال السنوات الأخيرة محل إهتمام من مختلف أقطاب العالم و جميع الدول باتت تتسابق على التمتع بسخاء إفريقيا التي ماتزال تواجه جملة من التحديات التي تحول دون تحقيق التطور الاقتصادي في إفريقيا و التي تتعلق في جزء منها وفقا لخبراء الاقتصاد بالصورة الشائعة عن القارة الإفريقية والتي تروج على أن إفريقيا قارة «فقيرة وتعاني من مديونية كبيرة» وهو ما وجب العمل على محو هذه الأفكار المتداولة عبر الترويج للإمكانيات التي تزخر بها القارة وثرواتها الطبيعية وفقا لخبراء إقتصاد وهو ما يؤثر في مناخ الاستثمار .
ومن التحديات التي يطرحها الخبراء بالنسبة لإفريقيا بشكل عام ضعف الاندماج الإقليمي،ذلك أن الدول الإفريقية تظل اقل المناطق إندماجا في العالم، فالتجارة البينية بين الدول الإفريقية لا تتعدى 13 % من إجمالي مبادلاتها مقارنة بنسبة المبادلات البينية داخل دول الاتحاد الأوروبي والتي تصل إلى 60 %، كما يؤكد الخبراء على أهمية العمل على تعزيز الاستثمار ،حيث أن الاستثمارات الخارجية الإفريقية ماتزال ضعيفة والتي لاتتعدى 20 % من الناتج الداخلي الخام للقارة .
وهو ما يستدعي اتخاذ حزمة من الإصلاحات لتحسين مناخ الأعمال ومراجعة مختلف الإشكالات التي تواجه القارة خاصة في ما يتعلق بالحواجز أمام المستثمرين وضمان مصداقية إزاء المؤسسات المالية الدولية من أجل استثمار الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها دول القارة والتي بينتها الدراسات حيث سيكون للقارة خلال العقدين القادمين عبر نمو عدد السكان من 1.5 مليار نسمة إلى 2.5 مليار نسمة إلى جانب تطور نسب النمو في الاقتصادات الإفريقية بمعدل نمو يتجاوز 5 % سنويا.
ويشدد الخبراء على أهمية مناخ الاستثمار داخل السوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا نظرا لتمتعها بموارد هائلة وبمستقبل استثماري خاصة في مجال المعلومات والتكنولوجيا، الزراعة، الصناعة، التعدين، السياحة، الخدمات، الخدمات المالية والنقل ومناخ الاستثمار بالأقاليم إلى أنها سوق واسعة و يسهل الوصول إليها بواسطة المواصلات الحديثة، ذو شبكة نقل ومواصلات واسعة – سكة حديدية، موانئ ونقل جوي وبحري ، و به قاعدة عريضة من الموارد الطبيعية، وتعتبر منطقة جذب سياحية... بوجود الأهرامات والمناظر الطبيعية كنهر النيل والأخدود الأفريقي .. علاوة على الثروات الأخرى المتعلقة بالفوفساط والبترول وكميات كبيرة من الفحم واليور انيوم، النيكل، النحاس، الكبريت، الكروم، الذهب، والمعادن النفيسة و هو ما يجعل من الكوميسا أكثر جاذبية لخلق أنشطة استثمارية بينية .
ويؤكد خبراء إقتصاد و فاعلين على أن أهمية التكتل الاقتصادي وجني ثمار الانضمام إليه تعوقه بعض الإشكاليات على غرار ضعف التمثيليات الدبلوماسية بين الدول الأعضاء ، إضافة إلى الإشكالات اللوجستية سواء على الصعيد الجوي أوالبحري، وغياب شبكات بنكية مشتركة قارة بإمكانها ان تجذب رجال الأعمال الى إنجاز استثمارات بينية .
بعد عقود من الاعتماد على الشركاء التجاریین التقلیدیین: تونس تغير الوجهة وتدخل في شراكة مثمرة مع «الكوميسا»
- بقلم احلام الباشا
- 09:06 31/12/2020
- 1049 عدد المشاهدات
جعلت تونس من الاتحاد الأوروبي وعلى مدار عقود شريكها التجاري الأول دون أن تحقق الاستفادة بالشكل المطلوب