والمرافق العمومية في غياب او عدم اكتمال الاليات الرقمية الحديثة الضامنة لسلامة المعاملات الادارية التي تقدمها اجهزة الدولة لحرفائها على الخط، والموجهة خاصة إلى المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تصارع من اجل البقاء، ويعاني اغلبها من صعوبات مالية واجتماعية.
صرح امس الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة العميد هيثم الزناد أنه وبحلول سنة 2023 سيتم التخلي نهائيا عن المعاملات الورقية بين مصالح الديوانة ومختلف المتعاملين الاقتصاديين والتخلي عن الحضور إلى مكاتب الديوانية.
هذا التصريح يحيلنا الى الحديث عن الرقمنة الادارية في تونس والتي رغم الحبر الذي اسالته في العديد من المحطات الاعلامية والحوارات التي تحدثت عن اهميتها لضمان تسهيل المعاملات الادارية وخاصة البنكية والجبائية وتقليص طلب الوثائق مازالت تشهد تعثرات كبيرة ومازال ملفها يكتنفه الغموض وهو ما كشفته التعطيلات الادارية التي تعانيها المؤسسات و الصعوبات التي تواجهها في التمتع بالخدمات الالكترونية، والتي لها علاقة بمكاتب مراقبة الاداءات الجبائية وبعض العمليات المتعلقة بالسجل الوطني للمؤسسات، و القباضات المالية وصعوبة استخراج الوثائق عن بعد واشكالية الاختام.
إشكاليات متعددة
يطرح الوضع الاقتصادي والسياسي الحالي الذي تعيشه البلاد العديد من الاشكاليات العميقة الهيكلية والاجرائية وحتى على مستوى التسيير والتفاوض لايجاد الحلول التي من شانها ان تخرج بالبلاد من الازمة الاقتصادية التي عمقتها تداعيات الكوفيد، وقد زاد في تعميق مسار الاصلاح عدم التعاطي الايجابي مع الرقمنة التي لم تكن سوى حل لجزء من الاشكاليات، وهو ما اثار تخوفات اغلب المؤسات من تشتيت مجهوداتهم واضاعة وقتهم بدل تركيزهم على ما ينفع مشاريعهم ويخدم مصلحة تونس، التي تتوفر على بنية تحتية رقمية متطورة بأكثر من 20 ألف كيلومتر من الألياف البصرية حاصلة على مواصفات 9001 و14001 و27001 لسلامة أنظمة المعلومات.
تحديات كبيرة
رغم ما حددته الدراسة الاستراتيجية للإدارة الذكيّة 2020، من عناصر داعية الى العمل على تركيز وهندسة خدمات الإدارة الموجهة للمواطن والمؤسّسات الاقتصاديّة ودمج وربط أنظمة المعلومات، وتقاسم البنى التحتيّة المعلوماتيّة وتكريس انفتاح الإدارة من خلال تعزيز الشفافيّة والتشاركيّة، والمساهمة في خلق القيمة عبر استعمال التكنولوجيا الرّقميّة وتعزيز الثقة في التعاملات الإداريّة، الا ان اغلب المتعاملين مع الادارة الرقمية اليوم يواجهون صعوبات تنفيذية تتمثل في تعطيل خدمات او صعوبة تنفيذها على الخط واضاعة وقت كبير امام الحواسيب للحصول على وثيقة مما يصعب تامينها الفوري ويضطر بسببها طالب الخدمة الى التوجه من جديد الى الادارة مباشرة وتكبد عناء الطوابير.
كل هذه النقاط تضع الية الرقمنة الادارية في تونس والاستثمارات الموجهة اليها امام تحديات كبيرة واشكاليات عميقة انطلقت البلاد منذ سنوات في ايجاد حلول لها وتحدث عنها المسؤولون في الحكومات المتعاقبة ولم تحل نهائيا .
الظروف الاستثنائية
لئن مثّلت جائحة الكوفيد 19 ورغم كل المصائب التي تسببت فيها في فقدان 161 ألف موطن شغل وإفلاس أكثر من 1000 مؤسسة اقتصادية فرصة لدفع التحوّل الرقمي، الذّي يتصدر استراتيجيّات كل الهياكل والمؤسّسات الوطنية ، واولها المؤسسات المالية وضرورة ملحة للاستفادة منها ، الا ان تونس مازالت تحتل مراتب متاخرة في جدية رقمنة الإدارة مقارنة باغلب دول العالم التي اتخذت من الجائحة وسيلة لتطوير معاملاتها الادارية والبنكية ووضع كل الخطط والاستراتيجيات الضرورية لجعل الادارة الالكترونية بخدماتها اقرب الى المواطن وتعفيه من عناء التنقل من بيته ومواجهة خطر الفيروس.
ولئن دفعت الظروف الاستثنائية خلال مجابهة الوباء أجهزة الدولة الى تكريس الخدمات الادارية على الخط خاصة في ما يتعلق بالتصرّف في المساعدات الاجتماعيّة، التّي تمّ تأمينها بالتعاون بين المؤسسات البنكية ومؤسسات الدولة الا ان المعاملات اليومية مع اغلب المؤسسات في ما تقدمه من خدمات على الخط بينت تعقيدات و إخلالات في التعاطي معها زادت في تعطيل مسارها وهو ما يجب فضه اولا قبل التسرع في التحدث عن نجاح تجربة الرقمنة الادارية في تونس.