«لاجئون يحملون فيروس كورونا.» هؤلاء هم القادمون، فماذا عن المغادرين؟ كما يقوم التونسيون بالهجرة تحت تأثير ظروف قاهرة، وفي ظرف يهدد أمنهم الغذائي والاجتماعي، ويفكرون مثل أي إنسان يعيش في العالم الثالث عن أي سبب للذهاب إلى الجزء الآخر من الكرة الأرضية طمعاً في حياة أفضل، أو سعياً إلى تحقيق أحلام مسروقة... ويعتقدون أن في الجانب الآخر، العشب أكثر اخضراراً.
تروى أخبار وقصص عديدة عن اللاجئين وعن الحالمين وعن المهجّرين في أوطانهم ومنها، أو المهجرين أنفسهم. تعددت الأسباب والهجرة واحدة. الكل يبحث عن الفرصة، وعندما تتوفر أسباب الهروب تصبح الأولوية توفير كل الأسباب والوسائل.
صحيح أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعرّف طالب اللجوء بأنه «كل شخص تقدّم بطلب من أجل الحصول على مكان آمن للعيش فيه»، ولكن ما هو تعريف الأمن؟
العناصر المتعارف عليها بأنها تحقق الأمن وتنشر السعادة هي الاستقرار الاقتصادي والعدل بين أفراد المجتمع والتضامن الاجتماعي القوي والحكومة القادرة على تطبيق النظام على ارض الواقع، والشعور بالانتماء إلى الوطن. فهل تتوفر هذه العناصر حتى يستطاب العيش؟؟
نحن لاجئات لدى هؤلاء
وصف الوضع على حقيقته يحتاج إلى أكثر من كاميرا مصورة لمجموعات تعملن في أماكن مختلفة. هن اللاجئات إلى الحقول، إلى البحار، إلى الجبال، الممتنعات عن البوح والمتمرسات بفن الهروب من الوعود، الحالمات بالذهاب إلى أرض أخرى.
هنا حيث أشجار اللوز تحتاج إلى جمع غلالها، تجمعت 9 نساء استعدادا لركوب هذا الجرار غير المؤمن وغير الآمن، تبدو أرواحهن غير مهمة. تقول حياة: «ماذا سنفعل، ليس لنا غير الله وهذا الساعد؟»
ابتسمت عندما حاولت أن أغير الحديث إلى الوطن وقالت نحن لسنا من سكان البلد، نحن نحاول فقط أن نموت بشرف. نحن لاجئات لدى هؤلاء المشغلين لاجئات من قسوة الحياة من الفقر من الخصاصة نحن لا قيمة لنا...
وماذا عن أمنيتك في الذهاب إلى بلد آخر؟ «إن أمكن فلن أتردد لكنني لن اسمح لبناتي بالبقاء هنا».
اشتغل الجرار في ذلك الفجر واتجه إلى منطقة تبعد 3 كيلومترات عن هذا التجمع السكاني الصغير لتبدأ مجموعة أخرى بالتجمع في المكان نفسه للتوجه إلى جمع الطماطم، وأخرى لجمع زيتون «الطاولة» وأخرى للبقدونس والجزر ...
انتصف النهار، التجمع خال من سكانه، تسكنه عادة بعض الكلاب والحمير وبعض الخرفان. فهل يمكن
الإحجام عن الهروب إذا ما توفرت الوسائل؟؟ هل أن هؤلاء النسوة آمنات في سربهن مثلما جاء في الحديث النبوي بأن (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا).
أنا لا أشعر بالأمن هنا
«لا استطيع ان أتخلف ليوم واحد عن العمل فقد افقد فرصتي ولا أجد مشغلاً آخر». بحرص كبير واصلت حياة حديثها، فهل تشعرين بالأمن ؟ «كلا انا خائفة على مستقبل بناتي. تعبت وقد لا استطيع ان أوفر لهن ما يحتجن إليه. انا خائفة. !!
في اجماع مخيف قالت كل النساء انه لو توفرت لهن السبل للجأن إلى بلدان أخرى. حيث يمكن لهن أن تحلمن بالذهاب ؟ الجزائر وفرنسا وجهتان تكررتا على ألسنتهن.
هذه الملاجئ المترامية في هذا الوطن الذي أصبح يضيق على نساء بمستوى تعليمي عال، وفي مهن تعد الأفضل في تونس على مستوى الدخل، إلا أن هجرة قسرية غير تقليدية تفرض على الطبيبة وزوجها للمغادرة والإقامة في منطقة ريفية في فرنسا. البحث عن متنفس هناك في أرياف فرنسا أفضل من مكتب فخم هنا في تونس. الحرية لوحدها لا تكفي للسكينة.
يقول محمد الجويلي الباحث في علم الاجتماع ان غياب الفرص وانسداد الأفق والصعوبات الداخلية والاقتصادية أساسا تدفع نحو التفكير في المغادرة مشيرا الى ان الهجرة أصبحت رغبة لدى الذكور والاناث بشكل عام في تونس وهي رغبة لبناء المستقبل والاستقلالية أساسا خلافا للصيغ التقليدية وان كانت بصفر موارد خاصة بالنسبة الى غير المتعلمات. يواصل الباحث في علم الاجتماع حديثه قائلا المغادرة تفسر أيضا بان الاناث لا تعني الموروثات لديهن الكثير كالزواج والبقاء في عائلة وغيرها.
تقول راضية الجريبي رئيسة الاتحاد التونسي للمرأة «البلاد أصبحت خانقة» هكذا بررت العديد من النساء اللواتي ينتمين للاتحاد التونسي للمرأة عند قرارهن اللجوء إلى بلدان أخرى أو لأجل الحصول على مبلغ مالي لمساعدة أبنائهن وبناتهن على الهجرة. هذا الهيكل النقابي الذي يعمل على حماية النساء رئيسته السيدة راضية الجريبي استعرضت في اقل من دقيقتين تجربتها مع أعضاء هذا الهيكل من النساء الحريصات على الهجرة.
تقول الجريبي أيضا أن اللجوء من تونس إلى بلدان أخرى أصبح هدفا للعائلات ميسورة الحال فهذا المناخ الخانق الذي تعيشه تونس يدفع إلى الهروب. أنها هجرة قسرية تحت ظروف قاهرة تمس كل الفئات دون استثناء وباللهجة التونسية تحدثت الجريبي: «هن في الحقيقة هاربات من المزيريا» ولأجل ضمان مستقبل أفضل لأبنائهن وبناتهن».
انسداد الأفق يدفع أيضا بأستاذة تعليم ثانوي إلى المحاولة. صراع آخر بين إطار سام وبين زوجته التي وضعت الهروب نصب عينيها حماية لأطفالها من الوضع التي تعيشه تونس.
تونس غير آمنة اقتصاديا واجتماعيا
يقول عبد الرحمان الهذيلي رئيس المنتدى الاقتصادي والاجتماعي أن الظرف الذي تمر به تونس يجعل منها بلادا غير آمنة اقتصاديا واجتماعيا، وهو الدافع الرئيسي للهجرة القسرية من تونس لأغلب الفئات، وعن النساء اللواتي اضطررن إلى الهروب يقول الهذيلي أن الظاهرة وان كانت غير كبيرة إلا أن الظروف لو توافرت لكان العدد اكبر فالأسباب ملائمة جدا لهجرة النساء، وهي عديدة.
وفي حملات الترحيل من البلدان الاروبية تستثنى النساء والأطفال باعتبارهن فئات هشة ولهذا فان الأرقام غير متوفرة علما وان تونس استقبلت في 2017 نحو 53 رحلة ضمت ترحيل 1800 مهاجر لم يتمكنوا من إيداع مطالب للجوء وفي العام 2018 تم تسجيل 56 رحلة رحل خلالها 1700 مهاجر.
كلنا مهددون
نزيهة العبيدي وزيرة المرأة التونسية السابقة تحدثت عن معاناة نفسية عاشتها في فترة ترؤسها للوزارة في الفترة ما بين 2016 /2020 نتيجة ما لاحظته من عنف مسلط على النساء مهما كان تحصيلها العلمي ومستواها الفكري. العنف موجود في مكان العمل، في الشارع، وفي الأسرة... وتشير المتحدثة الى أن ما تعيشه تونس اليوم من غياب للأمن في شكله الاجتماعي والاقتصادي نتيجة عشر سنين من الفراغ الفكري والثقافي والقيمي رغم كل الهياكل التي تم تأسيسها إلا أنها مازالت بعيدة عن تغيير الواقع.
كما وجهت السيدة نزيهة العبيدي نداء إلى رئيس الجمهورية وإلى رئيس الحكومة لايلاء موضوع الأمن في مفهومه الشامل الأهمية اللازمة. فالعنف منتشر ولا يوجد مواطن في مأمن منه فكلنا مهددون.
الحصول على عدد التونسيات طالبات اللجوء أمر صعب، كي لا أقول انه مستحيل، حيث أن وزارة الشؤون الخارجية لم توفر المعلومة رغم الاتصالات المتكررة. أما مدير المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن فقد أوضح أن طلبات اللجوء بالنسبة إلى التونسيين تظل سرية في البلدان المستقبلة.
ولكن مهما تم التحفظ على الأرقام، وأيا كانت الأسباب، يبقى أن آلاف التونسيين والتونسيات، كي لا نقول مئات الآلاف أو الملايين، يخبئون في صدورهم حلما مكبوتا بالهجرة، هربا من واقع مؤلم أو سعيا وراء حلم، ولو كان الكثير من أحلام الهجرة يتكسر على صخور الواقع في الدول التي يهاجرون إليها، حيث العنصرية وشظف العيش ... فالعشب ليس دائما أكثر اخضرارا في الجانب الآخر.
مشاريع لجوء مفتوحة لمن لاحق لهم: بين هجرة «قسرية» ولجوء مؤجل.. تونسيات لاجئات في وطنهن
- بقلم شراز الرحالي
- 11:15 30/09/2020
- 859 عدد المشاهدات
يعيش اللاجئون في تونس أوضاعاً صعبة «فهذا لاجئ تعرض إلى الضرب من طرف مواطنين» وافتقاد مراكز إيواء اللاجئين لأبسط الضروريات»