تساؤلات عديدة بين البنوك والمؤسسات المالية وتحدث كثيرون عن اهميته في هذا الظرف الدقيق، وما يمكن ان يضيفه الى المشهد الاقتصادي والمالي في البلاد. وحول من يمارس هذا النشاط؟ وكيف تتم عمليات التمويل التشاركي؟ ومن له سلطة المراقبة والتراخيص ؟ وماهي اليات الانتفاع به والموانع والعقوبات؟
التمويل التشاركي،او ما اصطلح على تسميته ( crowdfunding) حسب ما افاد به في تصريح لـ«المغرب» الخبير المالي سفيان الوريمي آلية جديدة من اليات تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة ظهرت تاريخيا في اوائل سنة 2000 في عدة دول بهدف تمويل المؤسسات الناشطة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وهي تعتمد بالأساس على منصة الكترونية موجهة الى العموم وليست حكرا على المؤسسات او رؤوس الأموال ويتم تقديم وجمع التمويلات اللازمة عبر هذه المنصة وتكون المبالغ والمساهمات بسيطة ومحددة .وقد تم اصدار هذا القانون في فرنسا سنة 2014 وفي المغرب في فيفري 2020 .
المراقبة والتراخيص
يتم النشاط المتعلق بالتمويل التشاركي عبر منصة الكترونية لشركة مرخص لها بمباشرة هذا النشاط وتتميز بخصوصيات معينة يضبطها القانون . وهذا النشاط المالي يصنف إلى ثلاثة اصناف اولا التمويل التشاركي عبر الاستثمار من خلال اقتناء أوراق مالية أي اسهم حددها المشرع في القانون المنظم لهذا النشاط شريطة ان تكون الشركة التي سيتم المساهمة فيها شركة خفية الاسم وهو صنف يخضع لرقابة هيئة السوق المالية التي تمنح تراخيص ممارسة هذا الصنف أما الصنف الثاني وهو التمويل التشاركي فيتم عبر القروض، بما يعني اقراض الشركة مبلغا ماليا يتم تحديده منذ البداية بمدة الامهال وسقف نسبة فائدة تحدد بناء على نسبة مخاطر هذا المشروع بما يقرره البنك المركزي الذي يخضع هذا الصنف لرقابته ويمنحه الترخيص بالنظر الى عدة اعتبارات سيتم تحديدها ضمن منشور يصدره البنك لاحقا.
أما الصنف الثالث من التمويل التشاركي فيتم عبرالهبات والتبرعات التي تدفع حسب ما اكده الخبير من قبل مساهمين آمنوا بالمشرع واهميته دون الاستثمار فيه أي مجرد دعمه ماليا بدون اقراض مبينا ان هذا الصنف لم يكن مدرجا في القانون عندما تم تقديمه على اعتبار انه يطرح اشكال كيفية مراقبة هذه الهبات والتبرعات ليتم اقراره في النهاية مع تكليف مراقبته من قبل سلطة رقابة التمويل الصغير بقانون محدد.
وحول سقف نسبة الفائدة قال الخبير المالي سفيان الوريمي انها لم تحدد بعد من قبل سلطة الاشراف لكن الاكيد انها ستكون ارفع بكثير من الفائدة البنكية لان نسبة المخاطرة في هذه المشاريع منطقيا اعلى بكثير من نسبة المخاطرة للشركات التي تقرضها البنوك وحسب المتعارف عليه في النظرية العامة للمالية كلما ترتفع نسبة المخاطرة ترتفع قيمة الضمانات ونسبة التأجير تكون أعلى وهو ما دفع سلطة الاشراف الى اعفاء هذا النشاط من احكام نسبة الفائدة الفعلية ونسبة الفائدة المشطة.
التجارب المقارنة
أكد الخبير سفيان الوريمي ان التجربة الفرنسية اثبتت ان التوقعات والتقديم العام لهذا المشروع وهذا القانون كان اكبر بكثير من عائداته الفعلية خاصة وانه كان في بدايته قانونا موجها للاستثمار التشاركي في مجال تكنولوجيا الاتصال والمجال الفني،وومقابل التوقعات الكبيرة كانت النتيجة ضعيفة جدا لم تكن بحجم الانتظارات ولم تقابلها نتائج بحجم ما تم التحدث عنه وقيمتها ضعيفة مقارنة مع التمويلات التي تمنحها البنوك واليات للتمويل الاخرى.
شروط ممارسة النشاط
وقد أكد الخبير الوريمي ان الفصل 4 من القانون المنظم للتمويل التشاركي بين صراحة ان نشاط التمويل التشاركي يُمارس وجوبا عن طريق إحداث شركة خفيّة الاسم يكون مقرّها الاجتماعي بالبلاد التونسية،ويُحجّر على شركة إسداء خدمات التمويل التشاركي الجمع بين صنفيّ نشاط التمويل التشاركي، ويضبط رأس المال الأدنى وشروط تحريره بالنسبة إلى صنفيّ شركات إسداء خدمات التمويل التشاركي بمقتضى أمر حكومي سيتم اصداره لاحقا . وقال ان هذا القانون احدث اساسا لحل اشكال قانوني سابق يتعلق بقانون لسنة 1995 الخاص بشركات المساهمة العمومية وما تخضع له من قوانين واجراءات تفرضها هيئة السوق المالية لطلب التمتع بتمويلات من العموم، وهو ما ينسحب على نشاط القروض الذي كان حكرا على البنوك ومؤسسات التمويل الصغير.
و قال انه يُحجّر على شركة إسداء خدمات التمويل التشاركي عرض نفس المشروع على أكثر من منصّة تمويل من نفس الصنف في نفس الوقت، وتتم كل عملية تمويل تشاركي وجوبا عن طريق عقد يبرم بين صاحب المشروع والمشارك تتولى بمقتضاه جمع الأموال في حساب خاص مستقل مفتوح باسمها لدى البنوك، ويحدد مستحقات الطرفين.
موانع ممارسة النشاط
في ما يتعلق بالموانع التي تحول دون انشاء مثل هذه الشركات او أو يُدير ويتصرّف أو يراقب شركة إسداء خدمات تمويل تشاركي افاد الخبير ان الفصل 13 من القانون يمنع كلّ من صدر ضدّه حكم بات من أجل التزوير أو التدليس أو السرقة أو خيانة مؤتمن أو التحيّل أو الاختلاس المُرتكب من قبل موظف عمومي أو شبه موظف عمومي أو مؤتمن عمومي أو محاسب عمومي، أومن تخلدت بذمتهم ديون جبائية ثابتة أو من أجل إصدار شيك دون رصيد أو التهرّب الجبائي أو المشاركة في كل هذه الجرائم أو من أجل مخالفة تراتيب الصرف أو التشريع المتعلّق بمكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال. ومن صدر ضده حكم بات بالإفلاس أو إذا كان مسيّرا أو وكيلا لشركة وقع التصريح بإفلاسها وصدر فيها حكم بمقتضى الفصلين 288 و289 من المجلة الجزائية المتعلقين بالتسبّب في الإفلاس، او عقوبة في الشطب أو الحرمان من مباشرة نشاط منظم بمقتضى نص قانوني أو ترتيبي، او عقوبة من سلطة رقابية بإعفائه من مهامه في إدارة أو تسيير مؤسسة.
وقال الخبير ان نفس الفصل يمنع الجمع بين إدارة أو تسيير أو التصرّف في شركة إسداء خدمات تمويل تشاركي وبين إدارة أو تسيير أو التصرّف في بنك أو مؤسسة مالية أو مؤسسة تأمين، كما يُمنع الجمع بين نشاط البنوك أو المؤسسات المالية أو مؤسسات التأمين أو نشاط التمويل الصغير وبين نشاط التمويل التشاركي.
غياب الثقة
لم يتوقع الخبير ان يحدث هذا القانون ثورة في عالم التمويل بين المؤسسات الصغرى والمتوسطة في السوق التونسية لعدة اعتبارات اهمها ان السوق تفتقر بالاساس الى عنصر الثقة التي انعدمت في المؤسات الكبرى والتي لديها واجبات افصاح مالي خاصة تلك المدرجة ببورصة الاوراق المالية، والافتقار الى عنصر الثقة ولد بدوره مشاكل تتعلق بعملية الادراج ترتبت عنها اشكاليات لاحقة بسبب تدهور الوضعية المالية للشركات وتاثيرها على صغار المساهمين بكل ما تحمله هذه الشركات من ثقل مالي ومعنوي فما بالك بشركات جديدة تطلب تمويلات من عامة الشعب ..
ولانجاح هذا المشروع والتشجيع على عمليات الاستثمار فيه قال ان المسالة تتطلب توفير مناخ الثقة التي تفرض عمليات اولية ناجحة قادرة على طمانة الراي العام والتشجيع على المساهمة، من خلال حسن اختيار الشركات واعتماد جميع وسائل المتابعة والمراقبة لانجاح المشاريع واسترجاع مناخ ثقة المساهمين.