في جزء كبير منه خاصة المتعلق بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة بسبب تفشي داء الكوفيد 19 هذه توقعات نطالعها يوميا من خلال تصريحات الخبراء وكبار المسؤولين في المجال المالي والاقتصادي. وتونس وليست بمعزل عن دول العالم التي تشهد بدورها نفس المصير وهي تخوض حربا ضد شبح ضروس في معركة انتشار العدوى، اجبرتها على اتخاذ تدابير وقائية ، وضخ أموالا لتحقيق استقرار الأسواق .
كيف ستكون اثار الكوفيد 19 المباشرة على الاقتصاد وكيف يمكن انقاذ مابقي من السنة و معالجة وضعية البلاد وتحسين ظروفها الاقتصادية والاجتماعية؟
قال الخبير المالي والاقتصادي معز حديدان لـ«المغرب» ان الآثار الإقتصادية للأزمة ستكون كبيرة جدا على الهرم المؤسساتي بالتحديد حيث ستعيش اغلب المؤسسات ازمة ديون ستتراكم بفعل الحلقة المفرغة التي فرضها الوباء وتداعياته على النسيج الاقتصادي عموما، و ستجد نفسها ممزقة بين ديون تراكمت عليها لفائدة المزودين وديون لفائدتها لدى الحرفاء وهو ما سيخلف ازمة سيولة حادة جدا ستجد صعوبة في التصرف فيها حيث سيكون المزود غير قادر على توفير مواد اولية جديدة للمؤسسات حتى تتمكن من اعادة عجلة انتاجها وتشغيل عمالها وخلاص ديونها وسيكون الحريف من جهة اخرى غير قادر على خلاص ديونه لفائدة المؤسسة لعدة اعتبارات منها عدم امكانية وقدرة المؤسسة على تسويق المنتوجات باعتبار
غلق الاسواق والحدود البرية والبحرية وحتى في مجال التصدير ستجد المؤسسات نفسها غير قادرة على استعادة نفسها وتحقيق الانتعاشة التدريجية وهو ما سيخلق ازمة ثقة بين المزودين والمؤسسة وبين المؤسسة والحرفاء.
وقال أن هذا الوضع سيفرز صعوبات واشكاليات كبيرة لدى المؤسسة ستدفعها ربما الى تسريح جزء من عمالها والاكتفاء بعدد بسيط منهم وبعض المؤسسات ستغلق نهائيا وتفرض على عمالها البطالة الوجوبية وستجد نفسها تتخبط بين تداعيات الازمة المالية والصعوبات الاجتماعية وستكون ابوابها مغلقة وهي مجبرة على الايفاء بتعهداتها تجاه الدولة والبنوك التي لن تتفهم وضعية افلاسها او عدم قدرتها على المواصلة في ظرف استثنائي ما لم يتم اسداء امر رسمي او قانون من البنك المركزي لمساعدتهم على العودة التدريجية. قطاعات كبيرة تضررت بصورة واضحة وعميقة وستكون عودتها الى النسق الطبيعي صعبة جدا وتتطلب مجهودات كبيرة ودعم متواصل على غرار قطاع السياحة الذي تضرر مباشرة وبنسبة تفوق 80 % .
هذا الوضع المعقد سيتسبب في فقدان على الاقل 200 الف موطن شغل وأكثر وبالتالي ستشهد نسبة البطالة ارتفاعا حادا اذ قد تقفز من 15 الى 25 % بعد الازمة وهو ما سيولد عائقا جديدا للنمو والانتعاش الاقتصادي خاصة اذا ما لحقته احتجاجات وتولد عنه احتقان اجتماعي . وكل السيناريوات مفتوحة على قراءات متنوعة خاصة وان مساندة الدولة للموسسات ودعمها بالمنح الخاصة لا تنسحب على جميع انواع المؤسسات وحتى المؤسسات المنتفعة لن تتمكن الدولة على دعمها طويلا وستتحمل النفقات مدة زمنية معينة وبعدها ستقطع الدعم بفعل عدم توفر الامكانيات لدها وبالتالي ستتضرر المؤسسات صغيرة الحجم وتعيش ضغوطات من الحجم الثقيل.
2020 انتهت اقتصاديا ولن يكون بالإمكان الخروج من تداعياتها إلا بالعمل على ضبط برنامج اقتصادي للسنة المقبلة 2021 خاصة وان تونس غير معتادة على مثل هذه الازمات وربما الجوع او التعايش مع ازمة مالية ضخمة موجهة الى المواطن مباشرة وبالتالي ستنشأ عن هذا الاحساس بالضغط المالي والنفسي احتجاجات واحتقانات ستؤثر سلبا على الوضع العام عكس بعض الدول الاخرى التي ستشهد انتعاشة كبيرة مثل العراق الذي استطاع خلق اقتصاد الازمات من خلال ما اكتسبه من خبرة وقدرة على مجابهة الازمات والحروب وحسن التصرف في فتراتها والأوضاع الصعبة التي تفرضها.
الاقتصاد الرقمي
قال الخبير المالي والاقتصادي معز حديدان في تصريحه لـ«المغرب» ان أزمة كورونا وضوابط الحجر الصحي غيرت وجهة المجتمع في تونس وخاصة الشباب الى الاقتصاد الرقمي من خلال التعامل بالانترنت والعمل عن بعد والتجارة الالكترونية واعتماد التطبيقات الرقمية والابتكار في هذا المجال وهنا الدولة مجبرة على وضع برنامج كبير وتعزيز اهتمامها بالاقتصاد الرقمي ليكون بديل الازمات والمنقذ وبالتالي عليها دعم وتوفير استثمارات كبيرة موجهة للخلق في هذا المجال الحيوي الذي يثبت اهميته يوما بعد يوم.
وقال ان سنة 2020 اذا مرت بسلام ودون تأثيرات جانبية عميقة ستعيش تونس انتعاشة اقتصادية كبيرة ترتكز على الاقتصاد الرقمي وهذا التحدي مرتبط بعوامل متعددة من بينها توفر المسؤولية والوعي لدى المواطن و تشجيع الدولة على الاستثمار خاصة بعث المؤسسات الصغرى والمتوسطة والتي ترتكز على الرقمنة وتنفتح على العالم بالإضافة الى تبسيط الاجراءات الادارية والجبائية التي يعاني اغلب باعثي المشاريع من تعقيداتها ثم خلق الموارد اللازمة والمحافظة على القدرة التنافسية والاهتمام اكثر بالموارد الطاقية الوطنية والطاقات المتجددة.
قال أيضا ان التوجه الى خوصصة المؤسسات الحكومية التي تعيش صعوبات متواصلة اصبح امرا ضروريا وحلا عاجلا لكي تعود الى الانتاج وتقطع مع عقلية التواكل على المؤسسات الناجحة لدعم اخرى فاشلة، والتوقف على دعم المؤسسات التي لن تتحسن احوالها مهما ضخ في رصيدها من اموال. وشدد على ضرورة الوقوف في وجه المهربين الذين اغرقو السوق بالمنتجات المضرة بالصحة وعززوا الاقتصاد الموازي على حساب المنظم .
بين الخبير معز حديدان ان عدة قطاعات لن تعود للنشاط الطبيعي بعد انتهاء الأزمة على غرار قطاع و النقل الجوي وكل مكونات القطاع المنظم وهو ما يتطلب تدخل من الدولة والبنوك التي وحدها تمتلك سبل النجاة من الغرق ووحدها القادرة على اعطاء نفس الحياة الى المؤسسات ودعاها الى معاضدة جهود الدولة في التصدي لمخلفات الازمة الحادة من خلال اعطاء تسهيلات ومنح تمويلات الى المؤسسات لتعزيز نشاطها ومساعدتها على العودة الى السوق شريطة اعادة ادماج الاعوان الذين فرضت عليهم البطالة الوجوبية. وشدد علىى ضرورة تفهم البنك المركزي والحكومة لوضعية الشركات الضعيفة خاصة والتخطط بإحكام للعودة الاقتصادية خاصة وان البنك المركزي اعلن انه تحصل على ترخيص لتوفير السلاسة في
التعامل مع الوضعية بهدف إيجاد السيولة اللازمة للبنوك التي توفر لها موارد ب8 مليار دينار وستضاعف الى 10 مليار دينار واعتبر انه اهم اجراء اتخذته الحكومة بقي ان هذه الاموال يجب ان توجه الى مستحقيها خاصة وان كل المؤسسات تنطلق من نقطة البداية وإعادة البعث والمعاملات وهي اصعب مرحلة في البناء المالي والمؤسساتي بعد اي ازمة.
وأكد معز حديدان ان هذه الازمة هي امتحان صعب تمر به البلاد والحكومة وعليها ان تختبر قدرتها على الخروج من الازمة من خلال فرض سلطة القوانين وتنفيذها وحكم التصرف في الموارد بما يسمح للاجيال القادمة من العيش الكريم خاصة في ظل ما ينتظرهم من رهانات اهمها المديونية التي سيجدون انفسهم يواجهونها بدون اي اثار ايجابية على الاقتصاد وبعد ان صرفت كلها في النفقات. وقال انه اصبح من الضروري انقاذ الاقتصاد الوطني على المدى القصير والمتوسط وضبط اولويات تحقيق التوازنات المالية والتقسيم العادل لثروات البلاد والعيش الكريم بعد ان تهالكت كل اليات الطبقات الفقيرة والمتوسطة وخيم شبح الفقر على السواد الاعظم من المجتمع.