من جميع النواحي خاصة المادية التي دفعت بالآلاف من خيرة أبناء هذا الوطن إلى الهجرة بعد استفحال الظاهرة بشكل متواتر في السنوات الثلاث الماضية ، ما جعل الأرقام تتحدث عن مائة ألف أو نحوها بحسب تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية« OECD »، وشملت هذه الهجرة كفاءات في الطب والمهن المصاحبة والتدريس والهندسة ،خاصة في تكنولوجيات الاتصال والتي يزيد عددها عن عشرة ألاف من خريجي الجامعات التونسية باتت اليوم وراء البحر و أعداد أخرى في الطريق تنتظر الفرصة للالتحاق بغيرهم في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ من بلدان شمال المتوسط وكندا. علما أن هذه الخبرات محط أنظار العديد من الشركات العالمية من ذلك أن بنكا فرنسيا كبيرا قام مؤخرا بانتداب 12 مهندسا في الإعلامية منهم ثمانية من تونس.
والملفت للنظر أن هذه الهجرة التي تقف وراءها الشركات الاستشارية من تونس وفرنسا تحقق عائدات مهمة من وراء هذا النشاط وقد تفاقم نشاطها بين هذا العام والسنة الماضية وهذا ما أثار تخوف رئيس الجامعة التونسية للتكنولوجيا والاتصالات بالاتحاد التونسي للصناعة والتجارة الذي شدد على الخشية من إفراغ البلاد من كفاءاتها الذين بذل الكثير من أجل تكوينهم.وما انكباب مركز الشبان المسيرين بتونس على دراسة هذه الظاهرة إلا محاولة للوقوف على أسباب الظاهرة و السبل الفعالة للحد منها خاصة وأن في تونس ، اليوم أكثر من 12 ألف شغور في هندسة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الوقت الذي يفضل الخريجون في هذا الاختصاص الهجرة سريعا لعلمهم أن الأجور هناك أفضل بمرتين ونصف عما هو في تونس.
وتبقى معالجة هذا الموضوع في قطاع تكنولوجيا المعلومات في تونس، قضية جوهرية في المجمل تتطلب تضافر الجهود من القطاع الخاص والحكومة لضخ المزيد من هؤلاء الخريجين في الدورة الاقتصادية للحفاظ على مواهب البلاد في المشاريع المجددة مثل التجارة والإدارة الالكترونية والاقتصاد الرقمي على غرار مشروع تونس الرقمية الذي أعلنت وزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي أنه سيمكن من توفير 80 ألف وظيفة بحلول عام 2020.
وكان عضو عمادة المهندسين عبد الستار حسني أعرب في تصريح لمجلة إفريقيا الفتية ، عن أسفه عن تغاضي الجهات المسؤولة عن هذه الظاهرة ، وعدم ايلائها أولوية في اهتماماتها .وهو ما ذهب إليه مركز المسيرين الشبان الملتئم نهاية الأسبوع الماضي الذي دعا إلى البحث في هذه القضية بنزعة موضوعية ،في كل إبعادها بعيدا عن التجاذب السياسي ،لفهم الظاهرة في بعدها الاجتماعي والإنساني في بلاد طالت مرحلة تحولها أكثر مما كان منتظرا لها في الوقت الذي وجدت فيه عديد الكفاءات فرصة لتحقيق ذاتها ماديا ومعنويا خارج الوطن.