الفيلم الوثائقي "الكورال" لـ أيمن يعقوب : المعلم رسول يوزع نبوّته فنا ومحبة

 "كاد المعلم ان يكون رسولا" وفي تونس اصبح المعلم رسولا للحب والفن يوزع نبوة الحياة والإبداع على اطفال

هذا الوطن، اصبح المعلم سندا للحالمين، قبسا للحرية وشرارة للحلم، فالمعلم نصير للمبدعين والمبعدين، نصير اولئك الذين ظلمتهم الجغرافيا فاختار ان يكون صوتهم ليمحو كل الحدود الجغرافية حتى يعانقوا تباشير الحلم في ابهى تجلياته، هكذا كان معلم مادة التربية الموسيقية نبيل المقدم في فيلم "كورال".

الفيلم من اخراج ايمن يعقوب وتصوير سليم بن عياد وفيه تتبع لسيرة معلم لمادة التربية الموسيقية يتجول بين الارياف ليعلم التلاميذ الموسيقى ثم يجمّع فرقة صغيرة لتقديم عرض ضخم في المسرح البلدي بالعاصمة.

نبيل المقدم الفنان الانسان
"كورال" رحلة بحث عن الحياة والإبداع، تجربة موسيقية وانسانية تنطلق من العاصمة الى ربوع الشمال الغربي والمدارس الحدودية، سيارة قديمة وعزيمة معلم بعلوّ الجبال للبحث عن اصوات تلمذية متميزة، جولة بين المدارس الحدودية ولقاءات مع التلاميذ والأغاني واجتماعات في رحاب الطبيعة وتتبع للاطفال حتى في حياتهم اليومية وتفاصيلها للحصول على مجموعة متناسقة، مجموعة من 40تلميذا حلقوا بأحلامهم وأصواتهم من مدارسهم الحدودية الى قلب العاصمة التونسية للغناء امام جمهور المسرح البلدي اعرق المسارح بالعاصمة.
من العاصمة تبدأ الجولة، كاميرا المخرج ايمن يعقوب تتبع فكرة مجنونة لمعلم عاشق لمهنته، تتبعه الكاميرا وتمتع الجمهور بالمشاهد الطبيعية الساحرة للشمال الغربي من بني مطير الى عين دراهم وطبرقة والقرى المتناثرة بين الجبال كأشجار الفلّين المقاومة لفكرة الموت، بين الجبال توجد مدارس ريفية يعاني التلميذ للوصول إليها، نسوة تشقين للحصول على المياه، مطر يتهاطل بصفة دورية يعطل سيرورة السيارات جميعها تفاصيل ومشاهد تلتقطها كاميرا المصور سليم بن عياد وتختصر متعة بصرية في دقائق معدودات.
"كورال" فيلم وثائقي وانساني، ينقل الى الجمهور تجربة موسيقية مختلفة، رحلة معلم يؤمن بانه من واجبه ترك بصمة مختلفة في مجاله "كثيرا ما أتساءل، ما الذي ساتركه؟ ماذا فعلت في حياتي وفي مهنتي؟ كأستاذ موسيقى لدى وزارة التربية اي رسالة ساقدم؟ لذلك اخترت التكوين وزرع بذرة اولى للفنون في اطفال حرمتهم الجغرافيا من الفنون، اطفال لا يعرفون معنى الموسيقى او المسرح او النوادي المتخصصة، اخترتهم لاكوّنهم وابعث فيهم عدوى الفن، اخترت التكوين رغم البعد الجغرافي ايمانا بحقهم في الفنون، ربما يذكرني التاريخ وربما يعاندني زملائي لننشر ثقافة الحياة" كما يقول نبيل المقدم امام الكاميرا وهو يمسك بمقود سيارته ويزرع احلامه لبقية الطريق.
تراقص الكاميرا الطبيعة، تنقل مرة مشاهد عن قسوة الحياة في القرى الحدودية ثم تعود الى دفء قاعة الدرس بفضل الموسيقى والتعلّم، حركة الكاميرا هي الاخرى تفتح ابواب السؤال عن وضعية المدارس الابتدائية، وسوء الصيانة في مناطق تبرد كثيرا وشباك القسم ذي البلور المكسر ، قاعة تحمل اسم "الطاهر بن عاشور" قد تكون وحدها التي الجدران ظلت صامدة امام قسوة الطبيعة والزمن، فالفيلم يبعث في المتلقي السؤال، يسكنه بالدهشة من جمالية الطبيعة لكن هذه الطبيعة قاسية على اطفالها، وقسوتها تحرمهم كثيرا من اللعب بسبب البرد والمطر.
من يزرع الحب يجني الحياة
تتماهى الرغبة في النجاح مع جمال الطبيعة، تنسجم طاقة ابداع نبيل المقدمي مع علو الجبال، ارادته كما شجرة الفلين الصامدة، ينطلق يوميا بحثا عن كنوزه الصغيرة، حناجر ذهبية لها القدرة على الوصول الى الجمهور العريض، يتجول بين المدارس لاختيار احلامه الصغيرة، من مدرسة "المشراوة" الجبلية الى مدرسة "اولاد خميسة" السهلية، يختلف اختيار الاغنية حسب المناخ الجغرافي، فللجغرافيا تأثيرها على تركيبة الطفل النفسية والجسدية ايضا، وللطبيعة حساسيتها التي يلتقطها نبيل مقدمي ليصنع منها اربعين حلما مشرقا تغني للحياة.
ترصد الكاميرا حكايات الوجوه الصغيرة، تتبع يومياتهم، تعايش تفاصيلهم الصغيرة، تختلف الادوار فيصبح التلميذ هو "الكادرور" يوجه العدسة حيث يريد، يقحم المخرج جمهور الفيلم في تفاصيل الحكاية التي تنساب كما صوت مياه الشلال، يتبادلون الادوار فيصبح المعلم تلميذا منتبها في حضرة اطفال علمتهم الطبيعة دروس الصمود وحدهم الخبيرون بها، وأمام الكاميرا تكون التلقائية هي سيدة الصورة وموجّهتها ايضا.
"كل حكاية تنطلق بفكرة، وكل فكرة تصبح حلمة والحلمة تتحول الى لعبة، وانا جيت نلعب حصلت" كما يعلق المقدم على اربعين تلميذا كونوا كورالا وخرجوا من مناطقهم الحدودية ليصعدوا ركح المسرح البلدي بالعاصمة ويغنوا باصوات لا تعرف الخوف، امام جمهور متعدد الشرائح قدموا درسهم في الصمود وحب الحياة ، تغنى بالحياة من يعاند قسوة الطبيعة يوميا ليتعلم ويدرس، تغنى التلاميذ وتحلوا بسلاح الحلم وانتصر المعلم الذي نشر نبوة الفن في ربوع تلك القرى الحدودية المتناثرة.
نبيل المقدم صاحب الفكرة وباعث الحلم، معلم تجاوز حدود الجغرافيا وأنصت الى الهامش، معلم بعث قبس امل في اطفال المدارس الحدودية، اصر على التكوين وزرع بذرة الفنون لدى التلاميذ بذرة ستنبت حبا وجمالا، مشهد تعليم التلاميذ الموسيقى صاحبه مشهد حرث الفلاح لأرضه وزرعها، فالمعلم والفلاح هنا يشتركان في فكرة الزرع والاجتهاد قبل جني المحصول، والمعلم سيجني الكثير من الحب وطاقة اعتراف من تلاميذ علّمهم ان الفن حياة والموسيقى سبيل للنبوة واكد المقدم مع "الكورال" ان المعلم رسول.

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115