جورجيا ميلوني تترأس قائمة حزبها في الانتخابات الأوروبية قلب التوازنات داخل البرلمان الأوروبي أصبح غير مستحيل

مع اعلان رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني

ترشحها لانتخابات البرلمان الأوروبي المقرر عقدها يومي 8 و9 جوان القادم، تدخل المعركة السياسية الأوروبية أوجها مع احتمال صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والراديكالية إلى اعلى مستوى انتخابي لها يشكل تهديدا للتوازنات السياسية الحالية في برلمان ستراسبورغ.

وكانت ميلوني قد حققت نجاحا تاريخيا في الانتخابات التشريعية في سبتمبر 2022 بإيطاليا بحصولها على نسبة 26% من الأصوات مكنتها من تصدر قائمة الأحزاب الإيطالية والحصول على أغلبية برلمانية مكنتها من ترأس حكومة ائتلافية يقودها لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية حزب ينتمي إلى التوجهات الفاشية.
الوضع في إيطاليا
تجدر الإشارة إلى أن حزب "إخوة إيطاليا" الذي تترأسه جورجيا ميلوني يدخل في منافسة انتخابية مع أحزاب الائتلاف الحاكم في روما أي مع حزب "الرابطة" لماتيو سالفيني وحزب "فورسا إيطاليا" الذي اسسه الراحل سيلفيوبرلوسكوني. ومن الملاحظ أن ماتيو سالفيني قرر عدم المشاركة في هذه الانتخابات ربما لرغبته فب عدم التنافس المباشر مع جورجيا ميلوني خاصة أن حزبه لا يتمتع بأكثر من 8% من نوايا التصويت في حين ميلوني حصلت على 28% من النوايا في آخر استطلاع للآراء.
أما بالنسبة للمعارضة السياسية فقد قررت إيلي شلاين زعيمة "الحزب الديمقراطي" عدم الخوض في السباق بسبب الخلافات داخل مكونات الحزب الذي يدخل الانتخابات في حالة تشتت. وهو وضع يخدم موضوعيا حضوض جورجيا ميلوني في تحقيق فوز داخلي يمكنها من تحسين تواجدها على الصعيد الأوروبي. حزب "اخوة إيطاليا" لديه 6 نواب في البرلمان الحالي حصل عليهم بسبب الاقتراع النسبي. وفي صورة الفوز سوفتحصل ميلوني على ما يقارب 24 مقعدا في برلمان ستراسبورغ.
ميلوني من التطرف إلى الراديكالية
وإن شكل انتخاب جورجيا ميلوني على رأس الحكومة الإيطالية، وهي وريثة الحزب الفاشي الجديد، صدمة على المستويين الداخلي والدولي، فإن رئيسة الوزراء استغلت قدراتها كصحفية سابقة في اعتماد خطاب سياسي "معتدل" موجه للعالم الأوروبي والدولي وسن قوانين ترضي الشارع الإيطالي مثل تخفيض الأداءات للعائلات و حماية العائلة كرافد مسيحي مما جلب لها مساندة الفاتيكان والكنائس و وضع سياسة اقتصادية يمينية كلاسيكية حافظت على علاقاتها المتميزة مع أوروبا وحصلت على دعم من الولايات المتحدة الأمريكية. وساهم الوزير الأول السابق ماريو دراغي في تقديم الدعم الفكري والإستراتيجي الذي مكنها من التخلي عن الصورة "المتطرفة" التي كانت لصيقة بحزبها.
ولم تحتفظ ميلوني براديكاليتها إلا في مسألة الهجرة. لكن في محتوى السياسات والتوجهات الإستراتيجية المتبعة أظهرت ميلوني حنكة في فرض "توافق" أوروبي حول المسائل العامة المتعلقة بتنظيم العلاقات المشتركة، ولو أن فرنسا وألمانيا لا توافقان تماما على توجهاتها. ذلك ما جعلها تتخذ قرارات فاجأت الجميع منها التوافق مع ألبانيا لتنظيم الهجرة مع روما والتوقيع مع تونس اتفاقية في الغرض والمساهمة في دعم الجهود مع القاهرة ودعم نظام المارشال السيسي ماليا مقابل العمل على صد موجات الهجرة نحو أوروبا.
أما على المستوى الدولي، فقد حرصت جورجيا ميلوني، خلافا لخطاب حزبها التقليدي، على دعم تواجد إيطاليا في الإتحاد الأوروبي وفي منظمة الحلف الأطلسي ودعم أوكرانيا ضد الهجوم الروسي على أراضيها وذلك خلافا لمواقف حلفائها في الحكومة الذين يدعمون موسكو لأسباب استراتيجية واقتصادية. موقفها "الأطلسي" أعطاها حضورا على الساحة الغربية جعل الرئيس الأمريكي يؤكد في آخر لقاء لهما على "الصداقة" مع جورجيا ميلوني واعتبارها "حليفا" حقيقيا.
وخلال عامين من الممارسة السياسية على رأس الحكومة نجحت جورجيا ميلوني في تغيير صورتها من "الزعيمة المتطرفة" إلى الشخصية السياسية "التوافقية" التي ترغب في إنجاح السياسات الأوروبية ودعم التوجهات الأطلسية على المستوى الدولي بعد أن قررت سحب بلدها من مشروع طرق الحرير الصينية. وأكدت بذلك موقعها كشريكة في المشروع الأطلسي والأوروبي بدون التخلي عن أسس حزبها "الفاشي الجديد". من ذلك أنها لم تتردد في تجييش مسانديها والرأي العام الإيطالي من أجل دعمالحفاظ على القانون والقيم المسيحيةو مواقفها في مسائل الهجرة، مع الاعتراف بمحدودية النتائج في الحد من مستوى الظاهرة. وهو ما جعلها توجه مؤخرا دعوة إلى البابا فرنسيس للمشاركة في قمة السبعة القادمة ليكون أول بابا الفاتيكان الذي يساهم في مثل هذه اللقاءات.

مستقبل التوازنات الأوروبية

دخول جورجيا ميلوني معركة الانتخابات الأوروبية هو رمز في حد ذاته وإن أعلنت أن تواصل رئاسة الحكومة وألا تشارك في البرلمان كنائبة في صورة نجاحها.فهو يدل على أن اليمين الراديكالي والمتطرف أصبح في موقع الفاعل على المستوى الأوروبي بعد أن صعد إلى رئاسة الحكومة في المجر وبولونيا وإيطاليا. وهو لا يزال ينافس على المقاعد الأولى في السويد والنمسا واليونان.
في جل البلدان الأوروبية تشير استطلاعات الرأي إلى تقدم التنظيمات اليمينية المتطرفة إلى المراتب الأولى. من ذلك أن فوز حزب مارين لوبان في فرنسا (32% من النوايا) في انتخابات جوان القادم أصبح من بديهيات السياسة الفرنسية. وهو، إن تحقق، يشكل تغييرا جوهريا في موازين القوى الأوروبية. وقد ذكرت جورجيا ميلوني في خطابها في مدينة بيسكارا الإيطالية عند إعلانها ترشحها أن هنالك إمكانية تشكيل أغلبية من اليمين والوسط في البرلمان الأوروبي القادم مع اعترافها أن ذلك "مهمة صعبة، ولكن ليست مستحيلة".

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115