العرض الاول لمونودرام "ليلة الشك" لأروى بن اسماعيل واخراج صحبي عمر حرفية في الاداء و توظيف متقن لآليات التمثيل في مساحة للنقد والضحك

المسرح فضاء للنقد والكوميديا من اشد الاسلحة شراسة

لتفكيك المجتمع ونقد المنظومة دون السقوط في هوة الاستسهال او البكائيات المزعجة، للكوميديا سحرها في القاء الرسائل وشيفرات عديدة يفكها المتفرج ويعمل العقل ويطرح السؤال وفي لحظات الضحك المفرط و"ليلة الشك" مونودرام ينطلق من الكوميديا حد التراجيديا، يضحك المتفرج ويقدم له العديد من الرسائل الناقدة والموجعة للمجتمع التونسي ولواقع النساء في هذا البلد.

"ليلة الشك" مونودرام لاروى بن اسماعيل كتب نصها نور السعيدي وعمر الطرفاوي واخرجها الصحبي عمر واصوات كل من هناء شعشوع وشيماء فتحي ونور السعيدي وعمر الطرفاوي وتوظيب ايمن خلف الله وتقني اضاءة مروان عميّد وتقني صوت عثمان حدّاد وازياء ايمن زواري وانتاج وليد بلحاج.

قضايا النساء ومشاكلهنّ تعرّى على الركح

قدمت الممثلة اروى بن اسماعيل العرض الاول لمسرحية "ليلة الشك" اخراج صحبي عمر وهي مونودرام اجتماعية تحاكي الواقع التونسي وتغوص في كل القضايا التي تهمّ النساء في المجتمع التونسي، في العمل تمزج الممثلة بين الكوميديا والتراجيديا للحديث عن واقع النساء ومعاناتهنّ.
على ركح المسرح البلدي وطيلة ساعة ونصف تتنقل اروى بن اسماعيل بين عشرات الشخصيات النسائية لتنقل القليل من قصص النساء والبداية تكون بهندة وهو اسم الشخصية المحورية، "هندة" ستكون انطلاقة الجمهور للضحك والسؤال ايضا، "هندة" بها تنطلق القصة لطرح القضايا التي تعاني منها النساء في علاقة مع الرجال، ليكون العمل تشريح للمجتمع وبمثابة الدراسة الجندرية تقدماها الممثلة بالياتها لمسرحية.
"ليلة الشك" هو عنوان العمل، منذ العنوان تجبر الممثلة جمهورها على مرافقتها في رحلة الشك التي ستعيشها طيلة ساعة ونصف، شك وخوف هندة الشخصية المحورية التي تقرر ليلة زفافها الهروب من عقد القران "قرار واتخذته، لا اريد اتمام عقد القران، انا حرة"، تهرب لغرفتها ومع نفسها وأمام مرآة ذاتها تفتح شبابيك الذاكرة وتقرر مراجعة كل حساباتها في علاقتها بزوجها المؤجل "محسن" ومن قصتها تتفرع العديد من الحكايات التي تهمّ النساء.
تعاني النساء كثيرا في هذا المجتمع، منذ لحظات التعارف الاولى تنطلق الصراعات الخفية بين المرأة والرجل، اغلب النساء ولعدة اعتبارات تكون ضحيا عنف مجتمعي وعنف زوجي، و"هندة" اولهنّ فهي انثى رفض والدها وجودها، اراد ذكرا، رجلا يحمل اسمه فرزق بانثى رفضها الاب ثم عاملها على اساس "ذكر" ومن هذه الازدواجية تتكون الشخصية الهشة وغير القادرة على المواجهة، "هندة" الشخصية مثيلاتها كثر في المجتمع التونسي، فكم من انثى دفعت ضريبة ميلادها انثى عوض ان تكون ذكرا، وكم من امّ هرسلت وتألمت لانها انجبت انثى في مجتمع ذكوري بامتياز؟ وكل ذاك الوجع حاولت الممثلة ايصاله لجمهورها في قالب كوميدي حدّ التراجيديا.
تنتقل بن اسماعيل بين شخصياتها بسلاسة، ساعة ونصف متواصلة من المشاهد المضحكية والمبكية في الوقت ذاته، نقدت من خلالها العديد من القضايا المتعلقة بالنساء خاصة فيما يتعلق بالزواج، الذي تجبر عليه العديد من النساء فقط لارضاء المجموعة وتجاوز مفردة "عانس" فترمي بنفسها الى تهلكة رجل بخيل او عنيف او خائن او متشدد وجميعها امثلة ستقدمها هندة وهي تسرد حكايتها والحكايات التي سمعتها في "الروضة" التي تعمل بها.

 

حرفية الاداء عنوان نجاح رغم هنات النص

على الركح تنتقل الممثلة بحرفية من شخصية الى اخرى وطيلة ساعة ونصف واروى بن اسماعيل ماسكة بزمام العرض والشخصيات، ممثلة اثبتت في عرض الموندرام انها متمكنة من فن التمثيل ولها القدرة على الاقناع وفي الوقت ذاته متحكمة في الوقت وطريقة تحريك شخصياتها وبثّ انفعالاتها النفسية لكل شخصية مع تغيير خامة الصوت وحركة الجسد، ممثلة لها القدرة على النجاح ونجاحها في التلفزة والسينما لم يأتي من الفراغ " كنت خائفة جدا من التجربة، لكنني واثقة من قدراتي على المسرح لذلك خضت غمار المونودرام" كما تقول بن اسماعيل.
"ليلة الشك" مونودرام ينتصر للنساء كتبه رجلين هنا عمر الطرفاوي ونور السعيدي التقطا اوجاع النساء وحكاياتهنّ وحسب الملف الصحفي فقد قابل الكاتبين اثناء اشهر الكتابة العديد من النساء والرجال وأصغوا لوجهات النظر المختلفة في علاقة المرأة بالرجل قبل الزواج وبعده ومن هذه الحكايات الواقعية صيغ النص المسرحي ولكن في النص الكثير من "الكليشيهات" المزعجة احيانا، ربما لو اجتنبوا كتابتها لكان العمل افضل وكان النص اجمل ومن هذه "الكليشهات" اختيار شخصية "مهدي" (فينو، صوت رقيق واهتمام مفرط بالاشياء النسائية)، ربما هو اختيار لمعاقبة الاب الذي طلب ميلاد الذكر كثيرا، لكن التقزيم من الذكور الذين يشبهون النساء احيانا في رقة الصوت او العناية بالبشرة يعتبر على الركح عنف ورفض للمختلف والمسرح عادة مساحة لاحترام المختلف والدفاع عنه.
"ليلة الشك" مونودرام من تقديم الممثلة اروى بن اسماعيل التي اظهرت قدرات تمثيلية مميزة على الخشبة ونجحت في الانتقال بين الشخصيات الكثيرة التي قدمتها، واخرج العمل الصحبي عمر مخرج معروف باعماله المسرحية الملتزمة والمسرح الكلاسيكي على غرار "ريتشارد3" و"المندرة" ولاول مرة يخوض غمار مسرح المونودرام والكوميديا ونجح في التجربة ليثبت انّ المؤمن بفنه قادر على النجاح في كل الاشكال الفنية.

 

 

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115