السياسيات العمومية في المجال النقدي والبنكي: إعادة تشكل المشهد في صمت

فرضت السياسية الاتصالية لحكومة الحشاني وحكومة بودن قبله

على المتابعين للشان العام والمهتمين بالسياسات العمومية اقتفاء «أثر الخبز» كما فعل هانسل وغريتل (Hansel et Gretel) بطلا قصة «بيت الحلوى»، لعل ذلك يقود الى معرفة ما تتكتم الحكومة عنه، خاصة اذا تعلق الامر بالأحداث المتزامنة التي أعلن عنها هذا الأسبوع في علاقة بالبنك المركزي او بالصناديق الاجتماعية.

خلال الايام الفارطة تزامنت عدة خيارات سياسية واقتصادية في ظاهرها لا رابط بينها غير «صدفة» تزامن الإعلان عنها، كبلاغ البنك المركزي الذي أعاد تحديد أسعار جملة من المعاملات والخدمات البنكية المسوقة لأفراد، والكشف عن ان مجلس النواب تلقي مشروع قانون استثنائي من فصل وحيد ينص على «تعليق العمل بالفصل 25 من القانون عدد 35 المتعلق بضبط القانون الأساسي للبنك المركزي بما يسمح للاخير بإقراض الحكومة 7 مليار دينار لتمويل عجز ميزانية 2024، على ان يسدد هذا القرض على عشر سنوات مع إمهال بثلاث سنوات ودون فائدة.

هذا الجزء المتعلق بالبنك المركزي قد لا يكون لوحده كافيا لتحديد الطريق الذي ستسلكه حكومة الحشاني في علاقة بالقطاع البنكي التونسي، ولكن الحدثين المتعلقان به كان كفتات خبز إن اتبعناه سنجد غيره مما يمكن من قيادتنا الى الوجهة التي تمضي إليها الحكومة، بادراك منها او ان خياراتها ستؤدي بنا الى هناك دون قصد أو تخطيط منها.

هنا نجد اثر اخر «لفتات الخبز» المتمثل في ما أعلنته وزارة الشؤون الاجتماعية سلطة الإشراف على الصناديق الاجتماعية من أن إجراءات جديدة تتضمن تقديم الصندوقين الاجتماعيين لثلاث أصناف من القروض لمنخرطيها، قرض فردي قيمته 25 ألف دينار، قرض سيارة قيمته القصوى 50 الف دينار وقرض مسكن قيمته القصوى 100 الف دينار. مع شرح شروط الانتفاع بهذه القروض التي انطلقت بالنسبة لمنخرطي الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.

عند هذا القدر ما يقودنا إليه «فتات خبز» قد يكون غير جلي وواضح بعد، فهو يتركنا في ظل الصمت الحكومة أمام عدة استنتاجات، ولكن ان اعتبرنا خطاب السلطة في علاقة باستقلالية البنك المركزي وبدوره ودور لجنة التحاليل المالية وعن بعض ملفات وصفتها بانها «ملفات فساد» ستتقلص الفرضيات ونكون أمام فرضية عن الوجهة النهائية التي قد نبلغها في نهاية الطريق الذي ترسمه بقايا الخبز.

سواء أأدركت الحكومة خيارها وتبعاته ام لا فان التطورات الاخيرة، تخبرنا اننا ازاء اعادة رسم للمنظومة البنكية التونسية، فبلاغ البنك المركزي يشير بشكل غير مباشر إلى أن هناك محاولة للتشجيع على استعمال البطاقة البنكية وتقليص استعمال النقد، وهو مؤشر تاه في ظل بقية البلاغ الذي كان يتعلق بتخفيف الضغط الخدمات البنكية الأخرى.

والجلي أن مشروع القانون الذي وقع إيداعه بمجلس النواب بتاريخ 26 جانفي الفارط، يكشف أن هناك توجه من قبل السلطة المعلن منها هو تعبئة موارد مالية لسد عجز الميزانية، إلا أنه وفي طريقه لتحقيق ذلك سيوجه رسائل واضحة بان الدولة قررت ان تعتمد على البنك المركزي كجهة تمويل بديلة عن السوق الداخلية اي البنوك، وانها وان كانت هذه السنة تعلن أن قانونها استثنائي إلا أن تكرار الاستثناء غير مستبعد خاصة وانه سبق وان توجهت الحكومة للبنك المركزي إقراضها 3 مليارات دينار في 2020.

تقليص حاجة الحكومة للاقتراض من السوق الداخلية، لا يكشف وحده أن القطاع البنكي التونسي امام إعادة ترتيب فقرار الصناديق الاجتماعية تقديم قروض بفوائد منخفضة لمنخرطيها المقدر عددهم بـ3,5 ملايين شخص، معناه منافسة هذه الصناديق للبنوك والتأثير على رقم معاملتها المالية وحجم حصتها من سوق القروض للأفراد، وهو ما سيتضح خلال السنة القادمة.

هذه العناصر مجتمعة تكشف جليا اننا امام طريق نهايته إعادة ترتيب القطاع البنكي التونسي بهدف يبدو انه دفعها الى تمويل الاقتصاد والاستثمار.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115