رواية "المنسي في الحكاية" لريحان بوزقندة: اكتبوا، ابدعوا حتى لا تصيبكم لعنة دامناسيو ميموريا

هل تسكنك شخصيات الكتب التي قرأتها؟ هل ترافقك بعض الاسماء

وتشاركك يومك ولحظاتك الخاصة جدا؟ هل يؤلمك غياب شخصية من كتاب او سقوطها اخرى في متاهات لنسيان؟ هل تتألم لالم شخصيتك المفضلة؟ وكيف تنجوا من تأثيرات كتاب ما على مزاجك ويومك وحياتك وحتى احلامك؟ زوما الذي يجبرك على لقراءة وانت تخرج من الكتاب منهك الروح ومشتت الافكار لتماهيك الكلي مع النص المكتوب؟ هكذا تندفع الاسئلة بعد قراءة رواية "المنسي في الحكاية" لريحان بوزقندة، هذه الاسئلة لن تخامرك وحدك ايها القارئ اذ سبقتك اليها الكاتبة وقبلها بطلة الحكاية "ياسمين" فوجع الكتابة وألمها يبدوا كلعنة "دامناسيو ميموريا".

و"المنسي في الحكاية" رواية لصاحبتها ريحان بوزقندة صدرت عن دار اوتار للنشر صمّم غلافها توفيق عمران وجاء الغلاف بلون بنفسجي هادئ وكانه يشجع القارئ على اقتناء الكتاب والتمعّن في كلماته، بوبته الكاتبة بتوضيح "كل تشابه بين احداث الكتاب او شخصياته مع الواقع ليس من محض الصدفة البحتة".

لعنة الذاكرة مرهقة والنسيان افضع من الموت

تمزج الكاتبة بين الحقيقية والخيال، تمعن في تعذيب قارئها بسردية جميلة والغز كثيرة، تجبره على العودة الى كتب اخرى ومحركات البحث "غوغل" للحصول على معلومة او البحث عن قصة شخصية ما، ربما سيبحث في مكتبته عن كتاب سقط سهوا من ذاكرته، فريحان بوزقندة ساردة ماهرة تعرف كيف تقنع قارئها بالبحث وإخراج كل منسيّ من دهاليز النسيان وتعيده الى الحياة.
في روايتها الاولى احيت الكاتبة العديد من الكتب المنسية وتماهت مع شخصيتها المختارة في حب الكتب وقراءتها، قارئ "المنسي في الحكاية" لن يغوص كثيرا في الخيال لأنه سيستمتع بالبحث عن كتابات احمد خالد توفيق عرّاب الكاتبة وملهمها باساطيره وكتابته المميزة، قارئها سيعيد الى ذاكرته "جزيرة الكنز" وسيبحث عن ابداعات اخرى لروبرت لويس ستيفنسون وان كان مغرما بالفن التشكيلي سيبحث عن اعمال الرسام جان جاك موني وسيحاول معرفة مدى الترابط الفني والجمالي بينه وجزيرة جربة خاصة والرحلة اليها والى تونس كانت من خيال الكاتبة لكن التماهي العجيب في السرد كاد يجعل زيارة هذا الرسام الى تونس ودفاعه عنها برسوماته حقيقة "ان كتبت فستصنعين لهذا الرسام المنسي حياة جديدة، بل ستعيدينه الى الحياة وقد كان للنسيان صيدا".

في الكتابة اعتراف بفضل الاخرين ودورهم في نحت ملامح شخصية الكاتب خاصة في اصداره الابداعي الاول، ولان ريحان بوزقندة قارئة نهمة وناشطة حقيقية في عالم الكتاب فقد توجهت بطريقة ذكية بتحية الى العديد من الكاتبات التونسيات والكتاب التونسيين عبر تبويب كل فصل بنص لكاتبة تونسية ربما غير معروفة او نص لم يقرأه القارئ وبذكائها ستجبر بوزقندة قارئها للبحث عن لهذه النصوص، على غرار "الياسمين الاسود" لوفاء غربال، و"طفوليا" لصلاح بن عياد و"في المياه المالحة" لرفيقة البحوري و"ونيس" لمنية الفرجاني و"كبرت ونسيت ان أنسى" لبثينة العيسى ، بالاضافة الى نصوص عربية واقتباسات عالمية فالكتابة احياء للنسيان، والكتابة ولادة جديدة لنصوص نامت حروفها على رفوف المكتبات.
"المنسي في الحكاية" هو عنوان الرواية، المنسي مفردة لها العديد من المعاني، دال له الكثير من الدلالات، المنسي هو القارئ اولا الذي احيته ريحان بوزقندة وجعلته فاعلا باعادة كتابة قصص الاخرين، المنسي هو جان جاك موني رسام نصوص جزيرة الكنز، المنسي هو كلّ من يتلقى الكتب والشخصيات وينفعل مع وجعها، المنسي هو الطفل داخلنا الذي ازعج الشخصية ببكائه الكثير حتى انصفته وأحيته من النسيان وكتبت له نصّا جميلا
فـ " كل الكتب كتبت من اجل اسعاد طفل ان طفل حقيقي تخلى عنه احدهم، او طفل في داخلنا كبرنا وتخلينا تنحن عنهن ذلك الطفل كان النسيان لعنتهن ولن يتوقف نحيبه في العالم وفينا حتى ننتبه اليه ونبتسم له من جديد" .

الرواية فضاء للبوح والنقد

تدور احداث الرواية في عوالم القراء والمهتمين بالكتب، اختارت الكاتبة شخصية رئيسية جعلتها قارئة نهمة، تتشارك معها الكثير من الصفات فبين ياسمين وريحان تشابه كبير، كلتاهما تحمل اسم لوردة عطرة الشذى، كلتاهما قارئة نهمة ومهتمة بالكتب، كلتاهما تزور محلات بيع الكتب القديمة لتبعث الحياة في شخوصها المنسية وكل منهما تحمل على عاتقها مسؤولية جيل جديد تحاول ان تزرع فيه بذور المطالعة والعلم والقراءة فياسمين المتخيلة استاذة تاريخ وجغرافيا وريحان الحقيقية استاذة عربية وبين الخيال والواقع خيط رقيق وكاننا بريحان تنزع عنه ذاتيتها لتلبسها لياسمين وفي النهاية كلتاهما واحدة، كلتاهما تونسية مولعة بالتهام الكتب وكل منهما تخوض حربا لترتب الكلمات حتى تصبح نصا جميلا تزدان به المكتبات وتفتخر به العقول القارئة.
"المنسي في الحكاية" رواية يجتمع فيها الواقعي بالخيالي، في روايتها هناك الكثير من النقد للعديد من المواضيع التي تهم المواطن التونسي، فالكاتبة استغلت معرفتها بخصوصيات مهنة التدريس لتشير الى صعوبات التعلم والاختلاف لدى بعض التلاميذ، من خلال شخصية "ايلان" المنعزل وفي الوقت ذاته اتضح انه مهتم بالكتب النادرة وقادر على فك رموزها، هنا يطرح السؤال كم ايلانا في مدارسنا يحتاج فقط استاذ ينتبه لفطنتاه وذكائه حتى يحمى من تنمر الاتراب وقسوة المنظومة التدريسية.
كما نقدت موجة الدروس الكثيرة التي تعطى للأطفال في مدارسهم الابتدائية "لم افهم يوما لم تعطى للتلاميذ الصغار كلّ هذه التمارين المنزلية؟؟ يتراءى لي هذا احيانا انتقاما مقصودا من الامهات في منظومتنا التربوية الفذة ومحاولة منها للقضاء على البقية الباقية من سلامة اعصابهنّ".
في الرواية ذاتها تختار الكاتبة شخصية استاذة مهتمة بالزيارات الميدانية لمادة التاريخ ومحاولاتها الدؤوبة لتمرير حب تاريخ البلاد الى تلاميذها لكنها طبعا ستصطدم بمنظومة ادارية رتيبة، فهي الحالمة باخراج التلاميذ الى المتاحف والمواقع لكن للادارة وجهة نظر مختلفة تسردها على لسان زميلها ايمن "سيردّ على طلبك لتوفير الحافلة باقتراح ان تبحثي في هاتفك عن صور للمتحف في الانترنت وان تبرز الصور لتلاميذك فيقي".
كما اشارت الى انتشار ظاهرة البطالة لدى خريجي الجامعة من خلال شخصية اكرم البائع في "نصبة الكتب "اكرم، استاذية في التاريخ والجغرافيا ، من المعطلين عن العمل الذين طالت بطالتهم حتى يئسوا من الانتداب ونهشهم الاكتئاب والاحباط" فالرواية ليست مجرد كتابات مرصوصة بنظام وجمالية بل مساحة للنقد والبوح بالعديد من الحقائق التي يعايشها الكاتب.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115