العطلة المدرسية ومهرجانات الطفل: بين صناعة طفل انسان وبرمجة رتيبة متى يكون هناك صناعة ثقافية للطفل؟

يعتبر الطفل ومهرجانات الطفولة من مميزات شهر ديسمبر لكل عام،

فالعطلة المدرسية مربوطة بالضرورة بتظاهرات ثقافية توجه اغلب عروضها وبرامجها للطفل، ذاك الكيان الذكي والقادر على التقاط المعرفة بطريقة جد مميزة يعتبر مسحة للنشاط واليه توجه انظار كل العاملين في الثقافة في العطلة المدرسية حتى تصبح الجمهورية التونسية خارطة مهرجانات بعضها قارة واخرى مناسباتية لكن جلها تقدم للطفل مادة ثقفية تختلف جودتها حسب المنظمين والمهتمين بهذا البرنامج.

وتعد الصناعة الثقافية الموجهة للطفل شبه غائبة في المؤسسات العمومية لكنها حاضرة في الفضاءات الخاصة، فالفضاءات الثقافية الخاصة تعمل على الطفل المواطن، اما الفضاءات العمومية فاغلبها يحتكم لمنظومة الدعم ولفكرة التشابه بين كل التظاهرات والملامح العامة للبرمجة، لكنها تبقى متنفسا حقيقيا للطفل ليمارس ابداعاته ويستمتع بحقه في الثقافة.

تظاهرات وليدة تحترم الطفل فنيا وانسانيا

بين الهامش والمركز فروقات كثيرة في مستوى المادة الثقافية الموجهة للطفل، اطفال المركز يتمتعون اكثر بمادة ثقافية متنوعة ومهرجانات ببعد عالمي عكس اطفال الدواخل، والفرق الابرز هو الشغف للتظاهرة والفعل الثقافي فاطفال الجهات اكثر إقبالا ورغبة في اكتشاف العرض او التظاهرة لانّ العطش للفنون طيلة العام يجعلهم في شوق لهذا الفعل الابداعي.

شهد العام الحالي ولادة مهرجانات مسرحية وثقافية جديدة اهتمت بالطفل كمتفرج ذكي وقادر على التحليل، في مدينة الثقافة ولدت تظاهرة مسرحية بأبعاد عالمية انجزها مسرح الاوبرا حملت سم "عصافر الاوبرا" التظاهرة قدمت عروض مسرحية تونسية جد مميزة وقدمت لجمهورها من الاطفال باقة من اجمل الموسيقات المهتمة بالطفل وحرص المنظمين على تقديم دورة اولى بكل مقاييس النجاح على مستوى التنظيم والاعمال المسرحية والموسيقية المقدمة ورغم ارتفاع ثمن التذاكر فقد عرف المهرجان نجاحا جماهيريا كبيرا، وكسب المنظمين الرهان حيث عدد الجمهور ولا يمكن للتظاهرة الا النجاح نظرا لتوفر المقومات المادية واللوجيستية والتنظيمية والعنصر البشري في المدينة.
غير بعيد عن العاصمة تحديدا في مدينة سياحية عرفت طيلة اعوام بفقرها الثقافي رغم تميزها السياحي استطاعت الفنانة زوهاد ضيفلاوي بعث مهرجان يختص في فن العرائس ليولد منذ دورته الاولى كبير وتتحول ياسمين الحمامات من فضاء سياحي الى ثقافي ينعم فيه الاطفال باجمل العروض العرائسية والموسيقية واللقاءات الفكرية لمهتمة بمسرح الطفل.
زوهاد ضيفلاوي بعثت الحياة في تلك الجدران الباردة وطيلة العام قدمت لابناء الجهة مجموعة من الورشات في فن الممثل والارتجال ومكونات العرض المسرحي لتنجح في بعث مهرجان حمل اسم الراحل "الاسعد المحواشي" وكل العروض عرفت اكتظاظا جماهيريا ومسرحيا لتنجح فعاليات الدورة الاولى من "عرائس المدينة" وتكون لبنة بناء لفعل ثقافي يحترم عقل طفل العصر الراهن ويلبي تطلعاته الفنية والذوقية.

الجمهورية خارطة للمهرجانات بعضها ناجح واخرى متشابهة

اما بقية ولايات الجمهورية فالعطلة المدرسية مساحة للمهرجانات والتظاهرات، كل دار ثقافة لها منجزها الثقافي المحتفي بالطفل في العطلة، قد تختلف جودة المادة المقدمة ومدى حرص المنظمين على احترام جمهورهم لكن تظل العطلة فرصة للطفل ليستمتع بالمسرح والسينما والورشات بعيدا عن ضغط الدروس وتكون الانشطة الثقافية ملجئ للعب وللتعلم ايضا.
لكن يغيب عن هذه المهرجانات الخصوصية والاختلاف، تقريبا نفس الملامح العامة، نفس المعلقة، الكثير من الالوان، مع موسيقى وبعض البلالين للترحيب بالجمهور، ثم عروض "مدعمة" توزعها الادارة المركزية (ادارة المسرح) لا يعرف عنها مدير دار الثقافة او المهرجان شيئا، فقط عرض سينجز، كما تتشابه لعروض بين المهرجانات وكذلك نفس مناخات التقديم والانجاز، لتصبح العطلة مساحة لانجاز تظاهرة دون الاجتهاد لتقديم فكرة مختلفة او جديدة.
من ملامح المهرجانات الموجهة للطفل هي العروض التنشيطية، فرق تقدم مادة شبه فنية للطفل لكنها لا تخضع للمراقبة، الكثير من "الاعمام" و"لاخوال" يلبسون اما دمى عملاقة او شخصيات كرتونية يعرفها الاطفال "سبونج بوب" و"سنافر" على سبيل الذكر لا الحصر يرقصون، يحاولون تنشيط الاطفال ودعوتهم للتفاعل، وتعمل هذه المجموعات بموسيقى لا تتماشى مع عمر الاطفال، فبعضهم يضع اغاني "زعمة نحرق والا لا" و "نحب نقلع" والكثير من اغاني الراب غير المتناسقة مع عمر الطفل ولا فضاء العرض، هذه المجموعات التنشيطية لا تخضع للرقابة الفنية، لا تحترم بند حقوق التاليف ولا كيفية التعامل مع تنشيط الطفل وهو مجال دراسي وعلمي له مختصيه لكن في وطننا العزيز يعمل العديد من الفرق التنشيطية بمنطق "عندكش، عندي" واغلبها تحتاج رقابة فنية لانها تتجه لفئة عمرية جد مميزة وهي الطفل.

الثقافة سبيل لبناء طفل مواطن قبل ان يكون فنان

انجاز فعل مسرحي معناه انجاز مسار حياتي والعمل مع الاطفال عادة ما يكون سلاح حقيقي لمواجهة كل انواع التطرف والرفض وتعمل بعض الفضاءات والجمعيات على نشاط مسرحي ومواطني حقيقي، فالمؤطرين من خريجي المسرح ويمارسون هذا الفن بحبّ واصرار على صناعة طفل مواطن له القدرة على التفكير والتحليل قبل اللعب.
فالفضاء الثقافي ارسطوفانيس على سبيل المثال يعمل على تكوين الاطفال وتعليمهم ابجديات النقد "نحن نصنع انسان ومواطن واع قبل ان نكون ممثلين" كما يقول مؤطر نادي المسرح نضال الحناشي، فالعمل في ورشات متنوعة وتقديم مادة معرفية وحقوقية للاطفال في الارياف يعتبر بمثابة فعل نضالي يومي يقدمه المشرفين على ارسطوفانيس الفضاء المساند للطفل الحالم والقادر على تحقيق احلامه، من خلال العروض المسرحية واخرها "دار الحسب" المسرحية المندرجة في خانة الكوميديا ديلارتي والتي قدمها ممثلين اطفال اكبرهم لم يتجاوز الثامنة عشرة ولعب كل منهم شخصيته ودوره بحرفية رغم صعوبة هذه التقنية، كما ان الاطفال كانوا دعامة نجاح مهرجان المسرح بوادي الزرقاء واشرفوا تنظيميا على كل عناصر المهرجان، فالمسرح لدى هؤلاء الاطفال مساحة للعب والحلم وبالنسبة للمؤطرين سلاح لصناعة انسان.
ولان المسرح لبنة حقيقية للبناء ولممارسة الحياة بكل جمالياتها انفتح المسرح الصغير بمدنين على فئة اقل حظا في النشاط الثقافي وهم ذوي الهمم واستطاع الثنائي كريم خرشوفي ورفيقه رمزي محمدي من انجاز مهرجان وعرض بعنوان "احكيلي" وكلاهما من تقديم ذوي الهمم، فاحكيلي عرض ينجز ضمن مشروع "فاعل.ة" السياسات الشبابية ومشاركة الشباب في السياسات العمومية في تونس من قبل المركز الدولي للتنمية المحلية والحكم الرشيد وهو بتمويل من الاتحاد الاوروبي وبدعم من مملكة هولندا، وقدم العرض في المركب الثقافي مدنين اواخر نوفمبر ولقي نجاح جماهيري منقطع النظير كما نجح عرض 27ديسمبر وتميز الممثلين الذين تكونوا في ورشات طيلة اشهر من قبل كريم خرشوفي وبوبكر غناي ليكون "احكيلي" تجربة استثنائية تدافع عن الثقافة والانسان وحق الاختلاف.
في الاطار الحقوقي ذاته اي العمل مع ذوي الهمم نجحت الجمعية التونسية لفنون الشارع بجربة والمخرج زهير بن تردايت في تاسيس مختبر للثقافة والادماج بالشراكة بين مركز الفنون الركحية جربة وجمعية القاصرين عن الحركة العضوية، والعرض "انا لي حلم كبير" قدم في ثلاث عروض كبرى، عرض في جربة واثنين في تونس العاصمة بين ابن رشيق ومدينة لثقافة وكل عرض حقق نجاحه الجماهيري والفني.
وعن ظائف هذه التجربة يقول زهير بن تردايت الهدف الاساسي هو دمج ذوي الإحتياجات الخاصة فيما بينهم أي أن كل حامل لإعاقة أو اضطراب يلعب ويتواصل مع أطفال آخرين كل له إعاقته أو اضطرابه ثم نعمل على إدماجهم مع الأسوياء وكما ندمج الأسوياء ليتمرنوا على احترام الآخر والتعاون معه دون شفقة أو احتقار كما نبحث عن إظهار مواهبهم وطاقاتهم الكامنة لإكسابهم الثقة في أنفسهم .
مضيفا أما عن العلاج فنحن تمكنا من مساعدة أطفال التوحد على النطق ونزعم أننا سنساعد أطفال المختبر لتطوير قدراتهم وربما إدماجهم حتى خارج النشاط بمعنى في حياتهم الدراسية والمهنية وقد رسمنا خطة لذلك فعلاج هؤلاء ليس بالأدوية على أهميتها بل بالروح التي تسمو بالفن والنفس التي ينقاد لها الجسد وإن كان قاصرا والعزيمة التي تشحذها متعة اللعب.

 

المشاركة في هذا المقال

Leave a comment

Make sure you enter the (*) required information where indicated. HTML code is not allowed.

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115