Print this page

بدرو سانشيز على رأس الحكومة الإسبانية لولاية ثانية اتفاق تاريخي بين اليسار الإسباني والانعزاليين في كتالونيا

بعد شهر من المفاوضات إثر تكليفه من قبل الملك فيليب السادس بتشكيل حكومة

وبعد أن أخفق زعيم الحزب الشعبي المحافظ ألبرتو نونياز فايخو في ذلك استنادا إلى نتائج الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها لشهر جويلية الماضي، تمكن الوزير الأول الإسباني المكلف بدرو سانشيز من الحصول على أغلبية في البرلمان تمكنه من مواصلة المشوار على رأس الحكومة لولاية ثانية.

الأغلبية الجديدة حصل عليها سانشيز في نهاية سلسلة من المفاوضات بدأت مع حليفه في الحكومة حزب "سومار" (اليسار الراديكالي) الذي شاركه في وضع برنامج حكومي قبل فيه مبدأ المصالحة مع الانعزاليين في كتالونيا من أجل التوصل إلى أغلبية مريحة في البرلمان. وتمكن الحزب الإشتراكي الإسباني من توقيع اتفاق مع حزب "جونتس"، الذي يتزعمه كارلس بيجدمون، يتمتع بموجبه السياسيون المسجونون على خلفية "عملية الانفصال" التي أتى بها الاستفتاء على استقلال كتالونيا عام 2017 بالعفو التشريعي مقابل مساندة سانشيز في تشكيل حكومته الجديدة. وسوف يدعم الحكومة الائتلافية الجديدة أغلبية تعددية يشارك فيها عدد من الأحزاب الأخرى يسارية التوجه في كتالونيا وبلاد الباسك وغاليسيا وجزر الكناري.
بدرو سانشيز البالغ من العمر 51 عاما ينجح في عملية سياسية معقدة وغير مضمونة في بدايتها تمكنه من 179 صوتا في البرلمان أي بثلاثة أصوات إضافية للأغلبية المطلوبة (176). بعد مناقشة البرلمان يومي الأربعاء 15 والخميس 16 من المفترض أن يصبح يوم الجمعة 17 بدرو سانشيز الوزير الأول المنتخب للحكومة الإسبانية.
اتفاق سياسي هش
منذ أن أعلنت القنوات التلفزيونية الإسبانية على حصول الاتفاق مقابل "العفو" على الانفصاليين، دخل الشارع السياسي الإسباني في حالة غليان شهدت مظاهرات قام بها الحزب الشعبي وحركة "فوكس" اليمينية المتطرفة التي عارضت الاتفاق واعتبرته "فضيحة". وتعالت أصوات حتى داخل الائتلاف الجديد، وخاصة من معارضي سانشيز في الحزب الاشتراكي، لتنتقد منح العفو للانفصاليين وتعتبر ذلك تخل على المبادئ الديمقراطية اعتبارا أن تسريح 1400 سجين حاولوا فرض استقلال كتالونيا أمرا غير قانوني.
في المقابل اعتبر سنطوس سردان كبير المفاوضين مع الانفصاليين أن "الاتفاق يشكل فرصة تاريخية لحل الخلاف الذي لا يمكن حله إلا سياسيا ولا يمكن فضه إلا عن طريق التفاوض بين تشكيلتين لها خلافات عميقة." وأعلن من جهته كارلس بيجدمون زعيم "جونس" :"سوف ندخل في مرحلة غير مسبوقة، مرحلة لا بد من استغلالها حسب طموحنا في هذا المسار. ولا بد أن نستعمل الآليات التي اتفقنا عليها والتي ليس لها حدود الا ما يحدده شعب كتالونيا." عبارات غامضة تفتح الباب، حسب الملاحظين، إلى إمكانية التراجع عن المسار السياسي المشترك، خاصة أن برلمان كتالونيا صادق الأسبوع الماضي على لائحة لتنظيم استفتاء جديد مقابل مساندة حكومة سانشيز. وهو ما لم يتفق عليه الطرفان في سلسلة المفاوضات. وكأن الثقة لا تزال غير متبادلة وأن الانفصاليين يلعبون بأوتار مختلفة في نغمة الوفاق الظاهري.
غيوم أخرى ظهرت في الأفق عندما أرسل المفوض الأوروبي للعدالة ديديي رايندرس رسالة للحكومة الإسبانية يوم الأربعاء 15 يطالب فيها بتوضيحات على محتوى قانون العفو الذي تقدمت به الحكومة للبرلمان معبرا عن "عميق انشغال" العديد من النقاشات الدائرة حول سن قانون للعفو. لكن في آخر المطاف، مصادقة البرلمان على ترأس سانشيز الحكومة أمر سيادي لا يمكن لبروكسل التدخل فيه.
برنامج حكومة ائتلافية
البرنامج الحكومي المقترح تمت صياغته من قبل الحزب الإشتراكي وحزب "سومار" الراديكالي. وهو يعتبر امتداد للسياسات التي اتخذتها حكومة سانشيز الأولى منذ 2018 تتمحور حول 230 اجراء لإدخال إصلاحات جديدة تتعلق بتحسين الوضع الاجتماعي في السكن واصلاح المنظومة الجبائية وفرض جباية خاصة على البنوك وشركات المحروقات والطاقة. ويشكل الإجراء العلم في المشروع الحكومي تقليص ساعات العمل من 40 ساعة إلى 37،5 أسبوعيا لكل الشغالين في المملكة.
سوف يكون نص البرنامج الإطار الأساسي لتشكيل الحكومة باعتبار التوازنات السياسية في الأغلبية. ولا يعرف إن يتمتع حزب "جونتس" الكتالوني بحقائب حكومية مفترضة. لكن المخاطر الحقيقة تبقى في البرلمان الذي يشكل فيه الحزب الشعبي الكتلة الأهم والتي يصعب أن تصوت لسياسات "يسارية" بل سوف تعمد، كما صرح به بعض المسؤولين في الحزب، إلى "المقاومة" السياسية للائتلاف الجديد. وهو ما لا يخدم الاستقرار المنشود.
وسوف يجد بدرو سانشيز، الذي أظهر إلى حد الآن حنكة سياسية أدهشت معارضيه، صعوبة في تعدي الرهانات القادمة المتمثلة أساسا في إدارة التفاوض مع الاستقلاليين لفرض حالة سلام في إطار المملكة في حين يرفض أكبر حزب في البلاد، وهو الحزب الشعبي، فكرة "العفو" والمصالحة. إن هشاشة الائتلاف الحكومي الجديد الذي تشقه خلافات سياسية بإمكانها هز أركانه تتطلب من قادة الائتلاف العمل سريعا للخروج من حالة الخوف والارتداد التي ظهرت في الأيام القليلة الماضية.

المشاركة في هذا المقال