مصر بين مطرقة «ليبيا» وسندان «سد النهضة الاثيوبي»: هل تلجأ القاهرة إلى التصعيد العسكري لحل الأزمات الخارجية ؟

تبدو مصر اليوم في وضع لا تحسد عليه وهي تواجه أخطارا متزايدة في الداخل والخارج ، فبين جائحة كورونا وتصاعد مخاطرها ،

وبين التهديدات الإرهابية والانقسامات السياسية داخليا، تواجه كذلك أعباء خارجية متزايدة لا في الجوار الليبي فقط بل في اثيويبا وتحديدا بعد اشتعال أزمة سد النهضة مؤخرا بكل ما يحمله هذا السد من مخاطر على الأمن الغذائي والأمن القومي المصري .
وفيما تتطلع الأنظار الى المحادثات التي تعقد برعاية الاتحاد الافريقي وما ستتمخض عنه من نتائج بشأن تقاسم مياه النيل بين دوله، جاء اعلان البرلمان المصري بالموافقة على «إرسال عناصر من القوات المسلحة المصرية في مهام قتالية خارج حدود الدولة المصرية، للدفاع عن الأمن القومي المصري» ليطرح تساؤلات عديدة حول فرضية لجوء القاهرة إلى التصعيد العسكري والمواجهة المباشرة في ليبيا ضد تركيا وحلفائها ودعما للمشير خليفة حفتر خاصة ان الأخير تلقى عديد الخسائر مؤخرا بسبب تقدم قوات الوفاق المدعومة تركيا. وكذلك في اثيوبيا في ما يتعلق بأزمة سد النهضة والسؤال المطروح كيف ستتعامل القاهرة مع نتائج القمة الإفريقية المصغرة ؟
تصعيد مصري في ليبيا
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أعلن أن التدخل المصري في ليبيا سيكون بعد موافقة البرلمان المصري. ويبدو ان الرئيس المصري حازم فيما يتعلق بليبيا إذ يعتبرها قضية أمن قومي لا يمكن المساس بها ولا يمكن ان يقبل بتواجد قوات تركية على حدوده انطلاقا من الأراضي الليبية . وفي الحقيقة فان دور القاهرة في الأزمة الليبية الداعم لحليفها حفتر يهدد الوجود التركي، لذلك سارع السيسي الى استعادة زمام المبادرة من خلال عدة تحركات وخطوات ، مثل الاجتماع مع مشايخ مجلس القبائل والأعيان الليبي الذين طالبوا الخميس الماضي، من مصر التدخل العسكري في ليبيا. وكذلك اللجوء الى البرلمان المصري من اجل تشريع اي تدخل عسكري خارجي .
وتنصّ المادة «281» من لائحة المجلس المصري، أنه ينعقد في جلسة سرية بناء على طلب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء أو بناء على طلب رئيسه، أو عشرين من أعضائه على الأقل، ثم يقرر المجلس بأغلبية أعضائه ما إذا كانت المناقشة في الموضوع المعروض تجري في جلسة علنية أو سرية.
وتنص المادة «282» على أنه «لا يجوز أن يحضر الجلسة السرية غير أعضاء المجلس ورئيس وأعضاء الحكومة، ومن يرخص لهم المجلس في ذلك بناء على اقتراح رئيسه».
ولئن أكد السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، أن السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب توافقا على تثبيت وقف إطلاق النار في ليبيا وعدم التصعيد، تمهيدا للبدء في تفعيل الحوار والحلول السياسية، الا ان اعلان البرلمان المصري جاء ليفتح تساؤلات عديدة حول طبيعة هذا التدخل وهل هو مجرد مناورة او تهديد لتركيا وحلفائها قبل الاقدام على اقتحام معقل خليفة حفتر في سرت.
المبادرة الجزائرية والخيارات المفتوحة
فالثابت اليوم ان مصر تريد دعم موقفها الاستراتيجي تجاه القضية الليبية، واستعادة توازن القوى هناك. ويتزامن ذلك مع اطلاق الجزائر لمبادرة جديدة للحل في ليبيا بمعية تونس حسب ما صرح به الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قائلا ان بلاده بصدد عرض مبادرة حول الأزمة الليبية. واوضح أنها ستكون تحت «مظلة الأمم المتحدة، وأعتقد أن هناك نظرة إيجابية للحل الجزائري ويمكن أن يكون حلا جزائريا – تونسيا بالتنسيق مع الأمم المتحدة وأنا متفائل بذلك». وأضاف الرئيس الجزائري: «لا نؤيد أي قرار منفرد، والجزائر من مبادئها رفض الأمر الواقع، أي أن تعلن مبادرة وتطلب منا التأييد أو الرفض».
ولم يكشف تبون عن مضمون هذه المبادرة، لكنه سبق وأن قدم عرضا لاستضافة جولات حوار بين الفرقاء الليبيين تفضي إلى وقف اطلاق النار والذهاب إلى مسار سياسي من خلال انتخاب مؤسسات جديدة ووضع دستور للبلاد.
فالجزائر على غرار تونس تؤيد الحل الدبلوماسي للأزمة الليبية بعيدا عن لغة التهديد والسلاح . وطالما أدانت التدخلات العسكرية الخارجية المتزايدة والتي لا تخدم مصلحة ليبيا الوطنية ولا مصلحة الإقليم بل بالعكس كانت عنصر توتر في المنطقة وجعلت ليبيا في حالة عدم استقرار سياسي وأمني مما أتاح توفير الأرضية الملائمة لجلب الجماعات الإرهابية وانتشارها .

يشار الى ان تركيا دخلت على خط الأزمة الليبية بعد الاتفاق الذي وقعته مع حكومة الوفاق في ديسمبر 2019 . وفي خضم ذلك تواصل القوات التابعة لحكومة الوفاق حشد المزيد من قواتها على جبهة سرت استعدادا لبدء عملية السيطرة على المنطقة الوسطى، المحاذية للهلال النفطي في حال فشل المفاوضات الجارية. ويتوقع عديد المراقبين ان يكون الدعم المصري لقوات خليفة حفتر لوجستيا من خلال تسليح القبائل الداعمة له او بالقصف الجوي المحدود ، ولكن التدخل في حرب طويلة الأمد بليبيا يمكن أن يشكل خطرا مباشرا يورط القاهرة في المستنقع الليبي وهذا مستبعد خاصة أن مصر تواجه تهديدات في ما يتعلق بحصتها من مياه النيل .
الأكيد ان الأيام القادمة ستكون حبلى بالتطورات الهامة سواء لمصير سرت والجفرة والهلال الليبي او نحو تسوية ليبية او مزيد من التصعيد العسكري .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115