في أيام قرطاج السينمائية: قصص أدبية في أفلام تونسية

كثيرا ما يهدينا اللقاء بين الأدب والسينما على شاشة الفن السابع متعة مضاعفة بفضل براعة كاتب متمرس وإبداع مخرج خبير.

لرأب الصدع بين الكتاب والمخرجين في تونس وكسر جبل الجليد بين القصة والفيلم، أنتج المركز الوطني للسينما والصورة على هامش أيام قرطاج السينمائية أربعة أفلام قصيرة مقتبسة من المدونة الأدبية التونسية.
«أقرا» و»سلوى» و»بقشيش» و»دبوس الغول» عناوين أفلام تونسية مقتبسة من قصص تونسية جاءت كلها بتوقيع مدير بيت الرواية الأسعد بن حسين باستثناء فيلم «دبوس الغول» الذي اقتبس نصه من قصة علي الدوعاجي. وقد لقي العرض الأول لهذه الأفلام استحسان الجمهور وتحيته لهذه التجربة.
«أقرا» وحب مجنون للكتب
نقرأ لنعيش أكثر من مرة وربما أكثر من حياة. وحدها الكتب تمنحها هذا السفر غير المشروط في عوالم وأزمنة وأمكنة بلا نهاية. وفي طرح طريف يعيد فيلم «أقرا» الاعتبار إلى الكتاب ويذّكر بضرورة وجود مكتبة في كل بيت حتى يستحق الإنسان أن يكون إنسانا. وقد جاء هذا الفيلم في إخراج ثنائي لسنية زرق العيون وإبراهيم اللطيف في اقتباس عن قصة «سجين الروايات» للكاتب الأسعد بن حسين.
بعيدا عن الرؤية الكلاسيكية في التطرق إلى أهمية الكتاب كمعلم وصديق وملهم ... يأخذنا الفيلم إلى علاقة من العشق المجنون والحب الأعمى للكتاب إلى درجة ارتكاب جريمة قتل. أما السبب فهو رفض الضحية إعادة الكتاب الذي استعاره من القاتل المهووس بكتبه. وقد تجرأ بطل الفيلم على قتل صديقيه وتسليم نفسه إلى المحاكمة بعد أن رفضا إرجاع كتابين كانا قد استعاراهما للقراءة فصارا في خبر كان!
لا يخلو الفيلم من إسقاطات مباشرة على الواقع المعيش سيما أوضاع السجون التونسية التي لا تحترم حقوق المواطن ولا تحفظ كرامته... لكن ما سيبقى محفورا في الذاكرة لدى كل من سيشاهد هذا الفيلم هو أن الكتاب أغلى من كل الثروات عند كل عاشق حقيقي ووفي للمطالعة. ولا شك أن كل من استعار كتبا ولم يرجعها إلى أصحابها سيسارع بإعادتها خوفا من انتقام «سجين الروايات».
«سلوى» ومأساة بائعة هوى
تسلحت المخرجة إيناس بن عثمان بكثير من الشجاعة لاختيارها تحويل قصة «وهم ليلة حب» للكاتب لسعد بن حسين إلى فيلم روائي قصير. كما قبلت الفنانة ريم البنا تجسيد دور البطلة سلوى بكثير من الجرأة. يغوص الفيلم في عالم «المواخير» بكل تفاصيله الخفية وأسراره الدفينة بين جدران غرفة متواضعة ومهترئة. هناك تسكن امرأة دفعتها الظروف الاجتماعية القاسية إلى بيع اللذة مقابل المال والجسد مقابل الخبز. بكثير من الإحساس، تقمصت ريم البنا شخصية سلوى لتكشف للناس الوجه الخفي لبائعات الهوي اللاتي كثيرا ما تلاحقهن سياط الجلد والشتم دون تعاطف مع قصصهن المحزنة التي قادتهن إلى الماخور كرها وقسرا وليس اختيارا.
حين تصبح المرأة بائعة هوى تتحوّل إلى شبه إنسان وطيف أنثى فاقدة للشعور والقيمة، فلا يحق لها الحياة كما تشاء والتصرف حتى في جسدها كما ترغب. وحتى وإن حاولت أن تكون امرأة حرة ولو لليلة واحدة فإنّ مصيرا أبشع من الماخور ينتظرها!
«بقشيش» وامتيازات القضاة
في قالب من التشويق والسرد الجميل للأحداث، اقتبس المخرج حسان المرزوقي سيناريو فيلمه من قصة «جنون أستاذ» للقاص لسعد بن حسين. ويقترح فيلم » بقشيش» على عشاق السينما رحلة ممتعة مع البطل منعم شويات وهو يبحث عن بيت للإيجار في موقع محترم وبمعلوم متواضع. وفجأة يعثر على منزل تتوفر فيه كل المواصفات المطلوبة وبثمن رخيص. والأغرب أن الرجل أصبح محل ترحاب وحفاوة من طرف جيرانه وحتى بائع الخضر في الحي ... فما الأمر؟ بينما كان بطل الفيلم مستمتعا بحياته المريحة في مسكنه الجديد والكل يقدم خدماته ويرفع له التحايا صباحا مساء... كانت المفاجأة الصادمة. فلقد ذهب في ظن الجميع أن بطل الفيلم يزاول مهنة القضاء بينما هو في الحقيقة أستاذ تعيلم ابتدائي. وذلك بسبب احتفاظه بشارة القضاء على بلور سيارته الأمامي والتي سبق وأن اشتراها من عند قاضية. فتذهب كل امتيازات القضاء هباء !
«دبوس الغول» وجنّة آدم وحواء
يتميز فيلم «دبوس الغول» برؤية جديدة وزاوية غير معتادة في اختيار موضوعه وتصوير مشاهده وحتى في تصميم ديكوره وأزيائه...وانطلاقا من قصة « نهاية أعزب » لعلي الدوعاجي يسرد المخرج فارس نعناع في فيلمه الروائي الثاني قصة آدم وحواء وجنتهما المفقودة.
ولقد كان الخيال هو المطيّة لحط الرحال في جنة آدم وحواء قبل قطف التفاحة المحرمة. ومن الجنة إلى المحكمة، قاد المخرج أبطاله ياسمين الديماسي (حواء) ومحمد مراد (آدم ) وأم حواء (آمال الكراي) ليمروا أمام أنظار العدالة بتهمة سرقة التفاحة. وفي إسقاطات ذكية على الواقع السياسي الراهن، يذكرنا القاضي (جمال ساسي) برئيس مجلس النواب المجمد نشاطه راشد الغنوشي، كما أبدعت مستشارته (ريم الحمروني) في تقليد النائبة سامية عبو في إطار من الكوميديا الناقدة.
عاقب القاضي آدم وحواء بإنزالهما من السماء للعيش في الأرض، فإذا هما وجها لوجه مع مواطنين احتلوا شاطئ البحر صيفا حد الهمجية والاكتظاظ وكل مظاهر الفوضى. وسط المفاجأة المذهلة، أهدى بائع متجول إلى حواء «دبوس الغول» فالتهمته بشراهة. فمن السماء إلى الأرض تبقى علاقة حواء بالتفاح أزلية وسرمدية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115